يترقب الصيادون في قطاع غزة بشغف كبير انطلاق موسم (التشرين)، كونه موسماً ذهبياً تصنف أيامه بأنها الأوفر في الصيد عن باقي أيام السنة، ما ينعش حالتهم الاقتصادية المتردية نظراً لتذبذب كميات الأسماك في المساحة البحرية المسوح لهم فيها بالصيد.
هجرة الأسماك بكميات وافرة خلال الشهر العاشر والحادي عشر من كل عام، تعد سبباً رئيساً، في وقوعها فريسة سهلة في شباك الصيادين، الذين يعملون ليل نهار طيلة هذان الشهرين، ليعوضوا أيام الكساد الطويلة التي تفتك بحالتهم الاقتصادية.
وعلى الرغم من أن بحر غزة يعد مرتعاً لهذه الأسماك المهاجرة، إلا أن فرحة الصيادين لا تكتمل، بعد أن يجبرهم الحصار "الإسرائيلي" الممتد منذ عقد على الصيد بمساحة ضيقة لا تسعفهم بملاحقة الأسماك الكبيرة والوافرة التي تتواجد خارج نطاق ال 6 أميال الذي تمنع زوارق الاحتلال قوارب الصيد من تجاوزها.
وحش الزورق
ويعد زورق جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، الوحش الذي يسرق قوت الصيادين عنوةً، ويشكل التهديد الأكبر لأصحاب قوارب الصيد، إذ يخشى هؤلاء من خسارة موسم التشرين لما يحدث من ملاحقات إسرائيلية على أطراف ال 6 أميال هذه الأيام.
أحد الصيادين الذين قابلتهم "الرسالة نت" وتحدث إليها، إلا أنه رفض أن يذكر اسمه في سياق هذا التقرير، خوفاً من قمع الزوارق "الإسرائيلية" له بعد أن اعتادت على ذلك خلال الأعوام الماضية.
يقول لنا صاحب القامة الطويلة: "أنهيت استعدادي لاستقبال الموسم الذهبي وجهزت شباكي المختلفة، وأجريت صيانة للمولد المهترئ الذي يتذيل قاربي، ومع ذلك أضع يدي على قلبي خوفاً من أن تسحب زوارق الاحتلال "الإسرائيلي" أدواتي، والتي سبق لهم وأن صادروها وقبعت في السجن أربعة أعوام بتهم ملفقة".
ويخبرنا وهو يعتلي قاربه الأزرق، أن الصياد في غزة لا يمكنه أن يتفاءل أو يستبشر بالخير طالما تجوب زوارق الموت "الإسرائيلية" على حدود ال 6 أميال، إذ تفتك بكل من يتجاوزها بقصد أو بغير قصد، وتلحق به في أحسن الظروف خسائر مالية فادحة قد تدفعه إلى هجر مهنته طيلة أيام العام.
ومع قرب الموسم الذهبي، يأمل الصياد المعيل لخمسة أبناء، أن يتفادى الدخول بمتاهة هذه الزوارق، مع توافر كميات من الأسماك، ليسد رمق أسرته من الاحتياجات الأساسية طيلة أيام العام، موضحاً خشيته وباقي الصيادين من أن تكون الأسماك خارج المساحة المسموحة.
ولا يخفي علينا أن هذه الأيام تشهد تحسناً طفيفاً على كميات الصيد التي قد تبشر بموسمً مميزاً، إلا ان وحش الزورق يبقى المعضلة الأبرز أمامهم.
مساحة ضيقة
بدوره، يرى نزار عياش نقيب الصيادين في قطاع غزة، أن مساحة ال 6 أميال لا تكفي الصيادين كافة للصيد بها خلال موسم التشرين، إذ تجوبها معظم مراكب الصيد في هذه الأيام، ما يجعلها منطقة شبه خالية من الأسماك، وقد يصيبها مصطلح الصيد الجائر"، وفق قوله.
ويوضح عياش في حديثه مع "الرسالة نت"، أن هذه الأيام تشهد تذبذبًا في كميات الصيد، وأحياناً تخرج كميات وافرة من الأسماك المختلفة، ما يبشر بقدوم الموسم المنتظر إلا أن التحدي الأكبر أمام الصيادين هو المساحة الضيقة المسموحة لهم، والتي قد تخرجهم من موسمهم الأبرز بخفي حنين.
ويكشف عياش أن ممارسات الاحتلال بحق الصيادين، وقمعه لقوارب الصيد، مع منع دخول الأدوات والمعدات الحديثة، دمر قطاع الصيد في غزة، وجعل الصيادون يقبعون تحت خط الفقر، مطالباً المؤسسات الدولية أن تردع زوارق الاحتلال التي لا تفتأ تنتهك القانون الإنساني والدولي بحقهم.
وكشف تقرير مختص برصد جرائم زوارق الاحتلال بحق الصيادين، أن الاحتلال يحظر على الفلسطينيين الوصول إلى 85% من المناطق البحرية التي أقرتها اتفاقية أريحا عام 1994، وأدت ممارسات وانتهاكات الاحتلال إلى انخفاض عدد الصيادين ممن 10 آلاف (قبل عام 2006) إلى 3700، ويتعرض 4400 صياد إلى مخاطر يومية في عرض البحر، ويتأثر نحو 65 ألف شخص من عائلات الصيادين والعاملين في المجالات المتصلة بالصيد وعائلاتهم بقيود 'المنطقة العازلة' في عرض البحر.