قائمة الموقع

لماذا تعارض إيران استفتاء كردستان العراق؟

2017-09-21T16:46:43+03:00
ارشيفية
طهران-الرسالة نت

طهران والقضية الكردية

ما أن أعلن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني قراره القاضي بإقامة استفتاء على استقلال الإقليم عن دولة العراق؛ حتى بدأت الهجمات تنهال على هذا القرار يمينا وشمالا، ومن جميع الأطراف بمن فيهم إيران.

في الواقع؛ كان البارزاني يتوقع هذه الهجمات لأنه يعلم أن استقلال كردستان لن يكون شأنا داخليا عراقيا فقط، بل سيؤثر على كل المنطقة. ولربما كان هدف البارزاني منذ البداية التأثير والضغط على الجميع كي يلتفتوا إلى حل المسألة الكردية.

في أهم ردود الأفعال على إعلان تنظيم الاستفتاء؛ جاءت زيارة رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية لتركيا -وهي أول سفر خارجي لرئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية بعد الثورة- كي يجتمع بنظيره التركي، وقد بحثا -حسب الرئيس رجب طيب أردوغان- إجراء عملية عسكرية مشتركة ضد إقليم كردستان إذا ما قام بإعلان الاستقلال.

كما جاء إعلان سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني أن جميع المعابر التجارية بين إيران وإقليم كردستان العراق ستغلق إذا نُظّم الاستفتاء. وإذا ما ضممنا تصريحه إلى كلام مشابه لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم؛ فإن هذا يعني أن الدولتين ستقومان بمحاصرة إقليم كردستان العراق.

وإذا انضمت الحكومة المركزية العراقية إلى إيران وتركيا في محاصرة إقليم كردستان العراق؛ فإن ذلك يعني أن هذا الإقليم سيصبح معزولا عن المنطقة وبالتالي عن العالم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما سبب شدة ردود الأفعال هذه؟ وإجابةً على الشق المتعلق بإيران من هذا السؤال؛ سنبحث -في هذا المقال- تأثير استقلال كردستان العراق على الشأن الداخلي الإيراني، وسبب معارضة إيران لهذا الاستفتاء.

طهران والقضية الكردية

لا يمكن البحث في موضوع استقلال كردستان العراق وتأثيره على إيران دون التطرق للوضع الداخلي للمجتمع الإيراني. فالمجتمع الإيراني يتشكل عمليا من عدة قوميات، أشهرها الفرس والأتراك الأذريون والقاجار والعرب والأكراد واللّر (اللور) والسيستانيون والبلوش والتركمان والغيلك والمازندرانيون.

وقبل نجاح الثورة الإيرانية عام 1979؛ حاول شاه إيران استغلال القومية الإيرانية لتوحيد البلاد في وقت كان إفيه حساس التوجه القومي يطغى على القوميات المختلفة في كل المنطقة، وواجه الشاه مشاكل عديدة مع القوميات المختلفة وخاصة الكردية والعربية، بسبب تأثير موجة الدعوات القومية في المنطقة عليهم.

كانت سياسة الشاه تقضي بالتفرقة بين الأكراد فأحدث صراعات داخلية بين الأكراد ودعم مجموعات منهم ضد مجموعات أخرى ليستطيع السيطرة عليهم، واستغل أحيانا أكراد منطقة كردستان العراق -الذين كانوا على وفاق مع إيران- ضد الحكومة المركزية ببلدهم، وأجّج الصراع الكردي/العربي مقابل محاولات العراق التأثير على العرب في إيران.

بعد انتصار الثورة -بقيادة الإمام الخميني- طغت الأيديولوجية المذهبية الشيعية على الأيديولوجية القومية، وبما أن قسما كبيرا من الأكراد الإيرانيين ينتمون إلى المذهب الشيعي فقد استطاع نظام الثورة أن يتعامل مع هؤلاء الأكراد مذهبيا، ومع باقي الأكراد على أساس الأيديولوجية القومية وأصولهم الإيرانية.

ورغم أن بعض الأكراد -وخاصة المنتمين إلى الأحزاب اليسارية والشيوعية- حاولوا إثارة الشغب والانفصال عن إيران، مستغلين ظروف بداية الثورة والحرب العراقية الإيرانية؛ فإن إيران استطاعت إرضاخ هؤلاء بالقوة تارة وبالمفاوضات تارة أخرى.

استمرت علاقات أكراد العراق بإيران كما كانت قبل الثورة، واستغلتها إيران لتجعل القضية الكردية جرحا نازفا باستمرار في ظهر العراق على عهد صدام حسين، ولتحسّن علاقاتها بأكرد إيران.

وبما أن ظروف أكراد إيران كانت أفضل بكثير من ظروف أكراد باقي الدول الذين واجهوا أحيانا مشكلة عدم إعطائهم الهوية أو التمييز القومي باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية؛ فإن موضوع الانفصال أو التمرد ضد الحكومة المركزية بات أمراً منسيا في إيران لعدة عقود.

 

لا يتمركز كرد إيران في منطقة واحدة بل هم منتشرون في عدة مناطق تمتد من غرب إيران إلى شمال وجنوب البلاد، ولكن أكثر من نصفهم يسكنون بالترتيب في محافظات كرمانشاه وكردستان وأذربيجان الغربية وإيلام، ويصل عددهم حسب الإحصاءات غير الرسمية إلى ما يزيد على خمسة ملايين نسمة.

وقد أدت سياسة التركز الإداري في البلاد والمشاكل التي تعاني منها المناطق الحدودية، وخاصة تلك التي دمرتها الحرب الإيرانية العراقية؛ إلى إيجاد نوع من الحرمان الاقتصادي في معظم المحافظات الحدودية ذات الوجود الكردي مثل كرمانشاه وكردستان إيران.

وقاد هذا الأمر إلى هجرة العديد من أبناء هذه المحافظات إلى مناطق أخرى داخل البلاد أو إلى إقليم كردستان العراق، وأدى ذلك إلى الامتزاج الفكري والسياسي بين قسم من أكراد إيران وأكراد العراق.

وقد تحول الحصار الاقتصادي الذي فُرض على إيران إلى فرصة بالنسبة للأكراد، حيث إن التبادل التجاري بين إقليم كردستان العراق وإيران بلغ سبعة مليارات دولار بشكل رسمي، وما يعادل هذا المبلغ عبر تهريب البضائع بين البلدين، واستغلت إيران منفذ إقليم كردستان العراق للإفلات من العقوبات الاقتصادية.

في ظل هذه الظروف تطورت العلاقات الإيرانية مع إقليم كردستان العراق بشكل ملحوظ فأضحت ممتازة جدا اقتصاديا سياسيا وعسكريا، وقامت طهران بتقديم دعم لوجيستي عسكري وتدريب مكثف لقوات البشمركة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد أن احتل الموصل عام 2014، حسبما صرح به البارزاني في عدة مقابلات.

وخلال السنتين الأخيرتين؛ بدأ التوتر يسود علاقات إيران بقيادة كردستان العراق بسبب تحركات بعض الانفصاليين من معارضي إيران الأكراد بهذه المنطقة، وقيامهم بعدة هجمات في مناطق ومدن حدودية. وقد اتهمت إيرانُ السعوديةَ بتمويل وتحريك هذه المجموعات عبر قنصليتها في أربيل بكردستان العراق.

وإزدادت هذه العلاقات توترا إثر مهاجمة مجموعتين من "داعش" مبنى البرلمان الإيراني وضريح الإمام الخميني في طهران، وكشفت التحقيقات أن بعض هذه العناصر كانوا من الأكراد الإيرانيين الذين تدربوا والتحقوا بداعش عابرين إقليم كردستان العراق، حيث تلقوا هناك الأموال والأسلحة والمعدات.

مخاطر الانفصال على إيران

ما هي التهديدات التي تواجه إيران من الاستفتاء واستقلال كردستان العراق؟ رغم أن الأكراد يُعتبرون قومية إيرانية أصيلة، وأن الإيرانيين متأكدون من أن أكراد بلدهم يقفون في آخر الصف المطالب بالانفصال مقارنة بأكراد تركيا وسوريا؛ فإن موضوع انفصال كردستان العراق يمكن أن يحرك بعض انفصاليي الأكراد داخل إيران ويثير مشاكل تهدد استقرارها، خاصة أن أكرادها منتشرون في كل البلاد.

كما أن هناك قوميات أخرى قد تتأثر باستقلال كردستان العراق (مثل العرب والبلوش والأذريين)، فتطالب بالانفصال وتهدد وحدة الأراضي الإيرانية.

ويضاف إلى ذلك تخوف طهران من النفوذ الإسرائيلي والسعودي في كردستان، الذي أضحى -حسب قولها- أحد أهم الأخطار التي تواجه الأمن القومي الإيراني، حيث إن إيران واجهت عدة حملات وصفتها بالإرهابية، وأكدت أنها كانت جميعها منطلقة من كردستان العراق.

وعلى هذا الأساس؛ فإن تخوف إيران من استقلال كردستان العراق مرده خشيتها من تحوّل هذه المنطقة إلى بؤرة نفوذ أقوى لأعدائها، مما سيشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي ينضاف إلى عدة مشاريع أميركية/إسرائيلية لتجزئة المنطقة إلى دويلات متصارعة، وهو ما سيؤمّن الاستقرار لإسرائيل.

ويمكن أن نشير هنا إلى ما يُعرف بخطة برنارد لويس أو خطة "حدود الدم" التي نشرتها مجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية، وهناك تخوف كبير من أن مشروع تأسيس كردستان العراق سيشكل الأرضية لتطبيق الخطة الأميركية لتجزئة المنطقة، وعلى هذا الأساس فإن الإيرانيين يقفون بكل ثقلهم ضد نجاح هذا المشروع.

والآن؛ ما هي خيارات إيران أمام استقلال كردستان العراق؟ حسبما تم إعلانه من قبل المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين الإيرانيين؛ فإن طهران تعارض انفصال كردستان عن العراق ومستعدة للتدخل اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً.

والمفاوضات بين إيران وتركيا والحكومة المركزية في بغداد لمواجهة هذا الحدث بلغت ذروتها، حيث قامت إيران بإرسال عدة وفود على مستويات مختلفة لثني الأكراد عن الاستمرار في مشروعهم هذا.

ويأمل الإيرانيون أن يتراجع الأكراد عن مشروع الاستقلال في آخر لحظة، أو يقوموا بالاستفتاء دون إعلان الانفصال عن العراق، وأن يستغلوا نتيجة الاستفتاء فقط في أخذ امتيازات إضافية من الحكومة المركزية.

أما إذا قام الأكراد بالانفصال عن العراق؛ فإن أول ما ستفعله إيران هو قطع جميع علاقاتها الاقتصادية مع إقليمهم، وإغلاق الحدود بالتنسيق مع تركيا والحكومة المركزية ببغداد لتصبح الدولة الجديدة معزولة عملياً عن العالم.

وستواصل إيران الضغط على كردستان العراق اقتصاديا وسياسيا حسبما يتوقعه مراقبون في طهران، ومن غير المستبعد أن تشارك إيران في عمليات عسكرية تنفذها تركيا وحكومة بغداد لإعادة الأمور إلى نصابها السابق، إذا تأكد لإيران أن إسرائيل تقف خلف الانفصال وأن أمنها القومي مهدد بشكل مباشر.

المصدر:الجزيرة

اخبار ذات صلة