كعادته كل يوم، خرج الطالب "أحمد هاشم" إلى مدرسته صباحًا مارًا بمسجد الحرم الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن بالضفة الغربية المحتلة، ليفاجأ بتجمهر بعض جنود الاحتلال في طريقه، وصده عن المرور ما اضطره إلى عبور شوارع التفافية ليصل بمدة تزيد عن نصف ساعة عن طريقه المعتاد من خلال بوابات المسجد بثلاث دقائق.
وتتزامن التنغيصات السابقة مع إقامة الاحتلال احتفالات ابتزازية داخل باحات الحرم الابراهيمي بعيدهم المسمى "عيد رأس السنة العبرية"، وبمشهد يحزن المسلمين، يقيم اليهود احتفالات رقص وغناء وسط باحات الحرم المقدس، مع تغطية أعلامهم لجدران المسجد من الداخل والخارج.
وما كان لافتًا هذا العيد ومختلفًا عن كل عام، هو إطلاق الألعاب النارية في ساحات الحرم المقدس، ما أدى إلى استفزاز الشبان الفلسطينيين بشكل أكبر من الأعياد الفائتة، وتصميمهم على محاولة اعتراض انتهاكات المستوطنين.
ورغم أن للمسجد الإبراهيمي قدسية خاصة عند المسلمين، إلا أن الاحتلال يتعمد قلبه إلى بؤرة يهودية، وذلك عبر تعزيز نهج التهويد للمدينة القديمة الذي يعتبر أبرز معالمها، ما أحدث حالة من الغضب في نفوس مواطني مدينة الخليل الذي لطالما قصدته أقدامهم لتأدية الصلاة.
وإزاء ذلك، نظم الفلسطينيون خلال الأيام الماضية عدداً من الفعاليات تخللها رفع الأعلام الفلسطينية في محيط الحرم وترديد الهتافات التي تعبر عن سخطهم لانتهاكات الاحتلال، الأمر الذي أدى إلى دخولهم بمواجهات مباشرة مع المستوطنين الذين تحميهم شرطة الاحتلال، حيث اعتقل وأصيب عدد كبير منهم.
من جانبه، أكد خالد العمايرة المختص في الشأن "الإسرائيلي"، على أن "إسرائيل" تسعى ومن خلال انتهاكاتها المستمرة في باحات الحرم الإبراهيمي، إلى تحويله لكنيس يهودي مع القضاء على التواجد الإسلامي فيه.
وقال العمايرة في حديثه مع "الرسالة": "هذه الممارسات والانتهاكات التي تبتز مشاعر المسلمين، يصعدها الاحتلال خلال الأعياد "الإسرائيلية"، ما يدلل على عدم احترام دولة الاحتلال لحرمة هذه المقدسات"، معتبرا ذلك "تجاوزاً خطيراً للقوانين الدولية المؤكدة على حق العبادة".
العصر الذهبي للمستوطنين
ويرى أن حكومة الاحتلال تعمل على دعم تغول "المستوطنين في مدينة الخليل، وتعينهم على ممارسة الانتهاكات المختلفة، ما أعطاهم مساحة واسعة بمضاعفة هذه الانتهاكات اليومية، الأمر الذي أثار غضب الفلسطينيين بشكلٍ كبير.
ولفت عمايرة إلى أن حزب المستوطنين الذي يقوده نفتالي بينيت، يعد ثاني أكبر الأحزاب في الحكومة "الإسرائيلية"، ما أعطى للمستوطنين امتيازات خطيرة على حساب الفلسطينيين الذين يعتبرون ضحية هذه السياسيات العنصرية.
وعن المكانة الدينية للحرم الابراهيمي، قال عمايرة " إنه يمثل مزاراً دينياً لعامة المسلمين، الذي ينبغي أن يحضروا للصلاة فيه من كافة أصقاع الأرض، من أجل زيارة قبور الأنبياء وهم (إبراهيم، واسحق ويعقوب ويوسف وزوجاتهم) عليهم السلام.
ويزيد عمر الحرم الإبراهيمي عن أربعة آلاف عام وفق ما أوردته الروايات التاريخية، ويبلغ عمر البناء الحالي فيه 2500 عام، كما يتسع إلى (12) ألف مصلي.
وكانت العصابات "الإسرائيلية" قد ارتكبت أبشع مجازرها بحق الحرم الابراهيمي عام 1994م، بعد أن نفذ المستوطن الحاقد "باروخ غولدشتاين"، مجزرة في المصلين، راح ضحيتها 39 شهيدًا ومئات الجرحى أثناء تأديتهم صلاة الفجر في شهر رمضان المبارك.
وعلى إثر ذلك، شكلت حكومة الاحتلال آنذاك، تحقيقاً أطلق عليه مسمى "لجنة شمغار"، وقضت هذه اللجنة ظلمًا بتقسيم المسجد إلى قسم يهودي وآخر إسلامي، حيث تم إقامة حواجز حديدية فاصلة بين القسمين.
ويمنع المصلون المسلمون بشكل قاطع من الدخول في القسم الذي ادعوا أنه لليهود، في حين يواصل المستوطنون بمساندة "الجيش الإسرائيلي" اقتحام القسم الذي منح لصلاة المسلمين، ويمنع المصلين من دخول الحرام الابراهيمي بشكلٍ قاطع خلال الأعياد اليهودية التلمودية، مستغلين بذلك الصمت الإسلامي الذي لا يقوى على ردع هذه الممارسات أو حتى إدانتها.