حكاية قبل النوم

قصة ما قبل النوم
قصة ما قبل النوم

الرسالة نت

نجوى سعدي غانم

تكوم الصغار حولها في إحدى زوايا الغرفة بعد أن رفعت فتيل المصباح قليلا لتزيد إضاءة المكان وتطرد أشباح الخوف التي تهاجم بيت حانون, شمال قطاع غزة, كلما حل الظلام. نظرت إلى الوجوه البريئة لأطفالها, وإلى عيونهم المترقبة, وبحركة غريزية أحاطتهم بذراعيها وضمتهم إليها بقوة, كردة فعل طبيعية بعد أن تهادى إلى مسامعهم صوت دوي انفجار بعيد, ارتعدت له الأجساد الصغيرة.

تنفست بعمق لتخفي اضطرابها عن الصغار, وبصوت خافت حاولت ألا يرتجف, بدأت تقصَ عليهم حكاية قبل النوم, علّها تلهيهم عما يدور في الخارج, وتشد حواسهم إلى عالم آخر لا خوف فيه ولا ترقب.

شرعت تخبرهم كيف كان الذئب يراقب ليلى دون أن تراه, وهي تجمع الأزهار من الغابة لتصنع لجدتها باقة, وكيف كانت ليلى تقفز هنا وهناك كالفراشة.

قاطعتها همسات أحد الصغار لأخيه الأكبر يسأله بصوت مرتعش: هل سنرحل من بيتنا مثلما فعل الجيران؟

رفعت الأم صوتها قبل أن يجيبه أخوه لتعيد انتباههم إلى أحداث قصتها و تكمل: واعترض الذئب طريق ليلى, وسألها ماذا تحملين في سلتك يا ليلى؟ فأجابته أنها تحمل كعكة كبيرة أرسلتها أمها إلى جدتها المريضة.

عاود الصغير الذي لم تنسه ليلى ولا الذئب مخاوفه لكز أخيه ليجيبه هذه المرة عما إذا كان القصف سيصل بيتهم أم لا. بادرت هي بالإجابة لتطمئن الجميع أنهم بعيدون عن القصف, وأنه لن يصيبهم سوء, ولتحاول جذبهم من جديد بسؤالهم: إلى أين وصلت في القصة؟

يجيبها أصغرهم الذي أوشك أن ينام: إلى الكعكة التي تحملها ليلى يا أمي.

تبتسم الأم و تداعب شعر الصغير وتمضي في حديثها عن الذئب الذي يسبق ليلى لبيت جدتها, فيحبس الجدة في خزانة الملابس ويرتدي ملابسها وينام مكانها لينتظر مجيء ليلى.

تتوقف لوهلة, وتنصت إلى الأصوات في الخارج, ويفزعها صوت المدافع البعيدة, فتهدهدهم من جديد مؤكدة أنهم في مأمن, وأنهم لن يصيبهم مكروه.

تتنبه أخيرا إلى أنهم قد ناموا ونامت معهم مخاوفهم وأسئلتهم. تتأمل ملامحهم الحزينة المشدودة, ويؤلمها عدم قدرتهم علي الاسترخاء, حتى أثناء نومهم.

تتنهد, وتسند رأسها بتثاقل إلى الجدار خلفها, منتظرة من يقصَ عليها حكاية لتنام

البث المباشر