لم يكن يوماً الانقسام الفلسطيني بمعزل عن أزمات الإقليم وتفاعلاته التي عطلت أحياناً وقاربت أحياناً أخرى ملف المصالحة، دون النظر للثمن الفادح الذي دفعه المواطن الفلسطيني على مدار سنوات الانقسام، ومحطات المصالحة التي لطالما خيبت آماله بانفراج أوضاعه المتأزمة.
ولا يمكن الحديث عن تفاهمات المصالحة الأخيرة التي جرت في القاهرة وتستعد حكومة التوافق لتطبيقها الأسبوع القادم دون الحديث عن تأثير التدخل الإقليمي في هذا الملف الذي من الواضح انه ضغط بقوة للتقدم باتجاه انهائه بعد عشر سنوات من المناكفات والأزمات والاتفاقات التي لا تخرج من غرف الاجتماعات.
بصمات الإقليم حاضرة في هذه الجولة من المصالحة، ليس حرصاً على الشأن الفلسطيني بقدر ما تحمل حرص كل طرف في الإقليم المجاور على المصلحة التي قد تتحقق من إنهاء الصداع الفلسطيني.
البداية دائماً مع الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي صمت على خطوات أبو مازن اتجاه المصالحة حتى وإن كانت ما زالت في طور التصريحات ولم نر تطبيقها على الأرض، وهو ما يخالف غضب الاحتلال عقب اتفاق الشاطئ 2014 حينما هدد أبو مازن بجملة عقوبات في حال أقدم على المصالحة مع حماس أو دفع رواتب لموظفيها.
الصمت الإسرائيلي اتجاه المصالحة يحمل تأييدا ضمنيا لهذه الخطوة، وهو ما أكده تصريح القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق الذي قال فيه أنه تم رفع الفيتو الأميركي والإسرائيلي عن المصالحة.
تأكيد أبو مرزوق عززه خطاب الرئيس الأمريكي في الأمم المتحدة حينما وصف إيران وحزب الله بالإرهاب ولم يذكر حماس بخلاف خطابه في السعودية.
ومن المصالح التي قد يحققها الاحتلال من المصالحة والوساطة المصرية في حال نجحت، التوسط بينه وبين حركة حماس للتوافق على هدنة طويلة لمدة 10 -15 سنة، إذ ترغب السلطات المصرية بذلك، وفق الكاتب الإسرائيلي "يوني بن مناحيم"، في حين ترغب الولايات المتحدة أن تساهم هذه الخطوات في البدء بعملية سياسية تفضي لصفقة القرن.
وبات من الواضح وجود إجماع على انه لا دولة دون غزة التي من المتوقع أن تكون الأرضية الأكثر ملاءمة لأي اتفاق.
في المقابل يبرز الدور الروسي في ملف القضية الفلسطينية لتقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة وفرض رؤيتها في عدة ملفات في المنطقة من ضمنها الملف الفلسطيني.
الطرف الآخر هو مصر التي تلعب دور الوسيط وهي من أهم الدول التي تعتبر راعية وعلى تماس مباشر بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنها لا تتحرك بعيداً عن الإطار الإقليمي وتحديدا السعودية والإمارات وتهدف من الدفع باتجاه المصالحة تمهيداً لمصالحة فتحاوية واجراء انتخابات ومن ثم الدخول في عملية تسوية سياسية تسمح لدول في الإقليم تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي.
وترى هذه الدول أنه يجب تغيير عقيدة العداء لـ(إسرائيل) والتعامل مع العدو الجديد والتهديد الأكبر بالنسبة لهم وهو إيران.
لكن تبقى معضلة أمامهم وهي: هل ينجح الإقليم في ترويض المشهد الإسرائيلي الأكثر يمينية وتطرفاً وعنفاً؟ أم يتم ترويض المفاوض الفلسطيني الذي تتحدث كل المعلومات والتحليلات انه لا يمكن أن يحصل على أي من أشكال الدولة دون غزة.
ويدور الحديث عن إزاحة مشروع الدولة باتجاه غزة ليتم إعادة إنتاج اتفاق غزة أريحا اولاً باتفاق جديد يبدأ من غزة لكن لا أحد يعرف أين سينتهي.
وربما المشهد الأكثر نضجاً للمصالحة يكمن في غزة التي تمثل العقدة والحل، فالبنية التحتية والبيئة خلال عشر سنوات من الحصار والانقسام كلفت القطاع ثمنا باهظا استنزف كل مقدراته، حتى نضجت هذه البيئة وباتت على استعداد كامل لتحمل نتائج المصالحة كما تحملت ثمن الانقسام.