قائد الطوفان قائد الطوفان

الغزي "سرحان".. أول مخرج سينمائي كفيف في العالم

ابراهيم سرحان
ابراهيم سرحان

غزة-ياسمين عنبر

"مستحيل توصل"، كان ملخص ردود أفعال كل من قال لهم كفيف الفجأة إبراهيم سرحان "بدي أصير ممثل ومخرج"، ظانين في بداية الأمر أنه يقولها مزاحًا"، كون هذا المجال، يعتمد على البصر بشكل رئيس، اضافة الى ان اهم اساساته هو الكاميرا والزوايا التي يجب اخذ المشاهد منها، حيث تحدى سرحان كل من قال له "لن تستطيع" ليصبح بعد رحلة كفاح طويلة أول مخرج سينمائي كفيف في العالم، حين قالت إرادته "نعم"، وأخرج كلمة "المستحيل" من قاموس حياته.

فالغزي "سرحان" (27 عامًا) دخل في تحد مع نفسه أولًا ومع كل من الذين ظنوا استحالة قدرته، وذلك بعد فقدانه لبصره في العشرين من عمره، وأصبح في وجه المجتمع "معاقًا"، متخذًا من "الأسوأ ليس فقدان البصر، بل فقدان البصيرة" شعارًا له.

قصة قطعة "الشوكلاتة" التي ناولتها جدة إبراهيم له عند عودتها من السفر، أعادته إلى سبع سنوات عند روايتها لـ"الرسالة"، إذ مد يده لتناول "الشوكولاتة" من جهة أخرى غير التي مدتها جدته، حينها لاحظ أن "طبقة بيضاء" تغطي عينيه ما جعل نظره يضعف، ليصدم بعد أسبوعين أنه فقد البصر كليًا.

سبع السنوات التي عاشها دون إبصار النور، لم يسمها "سرحان" بالعجاف، يقول: "الصدمة لم تكن عندي بفقد بصري وتحول حياتي من النور إلى العتمة، بل كانت الصدمة أن السعادة بدأت في حياتي، وذلك بدخول العزيمة والتحدي والإصرار إلى حياتي".

"احمد الله انك مش شايف" كلمات رددتها أمه كثيرًا على مسامعه وهو يتجول في باحات الأقصى، وهي تشاهد جنود الاحتلال يقمعون ويفتشون أمام باب المسجد الأقصى، ورؤيتها لعربدتهم وقيامهم بأعمال لا تليق بطهر المكان، "رأيت الأقصى بقلبي، حتى وإن لم أبصره بعيني، وحققت حلمي الذي كان يصاحبني منذ الصغر"، يضيف.

                                                                           "لا مستحيل بقاموسي"

لم يكن حلم التمثيل "وليد لحظة" في حياة "سرحان" حيث منصة المدرسة كانت شاهدة على حبه للتمثيل منذ كان في المرحلة الابتدائية، يروي لـ"الرسالة": "كنت أتخيل نفسي كثيرًا منذ صغري في أحلام اليقظة أنني أمشي مع ممثلين مشهورين كبار، وأنني أخطط معهم لأعمال عالمية"، ليكبر معه الحلم، فقد توافقت عزيمته وحلمه ليصل إلى ما يريد.

كان من المدهش في مشوار "سرحان" أنه خلال إخراجه للأوبريت الفني "يا ناس" والذي يعنى بتسليط الضوء على ذوي الاحتياجات الخاصة، أن تشارك في التمثيل فتاة صماء، ويشرف على تدريبها، ما يعني أن التواصل بينهما في التدريب معدوم، فلا صوت ولا صورة.

اتخذ قرارًا بألا يعيقه في مشواره شيء، فتوجه إلى جمعية تعنى بتعليم الإشارات للصم، فعلموه الإشارات اللازمة، ومن ثم درب الفتاة على نفس الإشارات، ثم أحضر شخصًا لا يفهم شيئًا في حركات الصم ولا السينما حتى لا يصحح الإشارات، ويطلب منه أن يرى حركات الفتاة، ويقلدها بيدي "سرحان" ليكتشف أين الأخطاء في تمثيل الفتاة الصماء، متجاوزًا خطوة في الفيلم كانت بنظر الأغلبية حوله "مستحيلة وجدًا".

كان الصوت هو الذي يعتمد عليه في متابعته للأفلام، لكن الصادم له كان هو طلب أستاذه في الجامعة بتحليل فيلم "صامت" دون صوت والتعليق عليه وإخراج عناصر الفيلم كاملة، ليقول له الجميع من حوله "حكينالك مستحيل توصل".

كان ذلك أول صعوبة وهو بمثابة تحدٍ كبير واجه "سرحان" خلال دراسته للسينما في مصر، والذي عارضوا في البداية خوضه غمار المشوار هذا أساتذة في الجامعة، كونهم يدركون طبيعة السينما ومتطلباتها، فالصوت الذي كان يفهم من خلاله لم يكن موجودًا وقتها، فلجأ إلى صديق له وشرح له المشاهد، ليصدم الجميع بعد يومين بأنه حلل الفيلم تحليلًا شاملًا أفضل من زملائه المبصرين.

يحكي لـ"الرسالة نت": "في كل صعوبة كنت أتجاوزها كانت تشكل لي دافعًا أقوى من الذي قبله، وأثبت للجميع أن الذي يمتلك عزيمة لا يعيقه شيء"، ويضيف وهو يضحك: "كثيرًا ما أنسى أنني كفيف، وأتصرف دائمًا وكأنني شخص طبيعي لا ينقصني شيء".

"اهتزاز الكاميرا أثناء التصوير، أكشن الممثل وحركته، زوايا التصوير المطلوبة" هذه الأشياء والاستفسارات جميعها تخطر على بال كل من يعرف من "سرحان" أنه خاض المجال السينمائي، غير مدركين أنه يجد لكل صعوبة مخرجًا يتناسب معها، يقول "طالما هناك هدف في حياة الشخص، إذن ليس هناك مستحيل".

                                                                                    وللمشوار بقية

أعمال كثيرة شارك فيها "سرحان" أثبت لكل من شاهدها أنه سيصل إلى "العالمية"، فتمكنه وحبه للعمل ظهر على المسرح كممثل أدى أدوارًا امام الجمهور، ليفاجأ بردود أفعال لم تكن متوقعة بالنسبة له عند أول عمل تم عرضه.

فقد كان من أعماله مسرحية "حلم أسير" و"يا ناس" و"زواج الدم"، فيما شارك باحتفاليات كثيرة تهتم بقضية الأسرى، إضافة إلى تنفيذ مسلسل إذاعي بعنوان "حلاق الحارة"، عدا عن مشاركته في أكثر من 30 احتفالًا فنيًا لإيصال معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة.

كانت مسرحية "زواج الدم" هي أكثر الأعمال قربًا لقلبه كما أخبر "الرسالة"، والتي تتحدث عن تحطيم حلم شاب بسبب الحرب على غزة، فبكى وهو يروي كيف أثر فيه هذا العمل، وراح يحكي أحداثها بكل تأثر باد على وجهه، وظهر من خلال الدموع المنسابة طوال الحديث عن النص المسرحي.

"إبراهيم سرحان" لم يكن اسم المخرج السينمائي الكفيف فحسب، فقد كان من الصدف الجميلة أن تخبر "مراسلة الرسالة" "إبراهيم" أن أول مخرج سينمائي في فلسطين يحمل الاسم نفسه، ليكون "الملهم" له، فأبدى سروره بهذا الشيء كثيرًا، وقد كان إبراهيم المبصر هو أحد رواد السينما الفلسطينية، أخذ على عاتقه نقل قضية فلسطين وكان حاملًا لرسالة الشعب الفلسطيني، وقد صنع أول فيلم عام 1935م.

"للمشوار بقية" ختم حديثه بها، فهو يتجهز للمشاركة في المؤسسات الدولية التي تعنى بصناعة الأفلام، كما ينتظر مشاركته في موسوعة جينيس، بينما ختمت مراسلة الرسالة نت "وللحديث أيضًا بقية" حين يصبح "سرحان" عالميًا ولا تبقى أعماله حبيسة حدود غزة.

البث المباشر