قائد الطوفان قائد الطوفان

"حارة الفقوس".. لكل حجر حكاية وألفُ ذكرى

غزة- ياسمين عنبر

كشواطئ آمنة يرسو النابلسيون إلى البلدة القديمة، حين يلفحهم التعب من ضجيج المدينة وتقلبات الحياة فيها، فبين مبانيها يعودون إلى زمن بعيد، ويسمعون صدى أصواتهم في الطفولة ترتد من جدرانها التي لطالما خبأت أسرارهم.

وبين أزقتها تعود إلى ذاكرتهم حواراتهم البريئة، "شو شاري بايدك؟ صايم اليوم؟ وين بياع النعومة؟ شكلك محوش منيح في كيس التحويشة؟؟"، عدا عن رائحة الحلويات التراثية كالكنافة النابلسية والطمرية والزلابية، والتي يشتمون رائحتها بمجرد أن تطأ أقدامهم أعتابها ويصادفون لوحة نقش عليها "البلدة القديمة ترحب بكم".

من حارة الحبلة وهي أحد أحياء البلدة القديمة النابلسية، تتفرع حارة الفقوس والتي تسمى أيضًا "جورة الفقوس" نظرًا لأنها منطقة منخفضة من الأرض، والتي تشكل معظم الجانب الغربي من "الحبلة".

حكايا وذكريات

عريب العزيزي أخذت "الرسالة" في جولة مع ذكرياتها في حارة الفقوس، وهي واحدة من فريق الناشطين للحفاظ على التراث النابلسي، وراحت تروي حكايات الحارة والحسرة ما انفكت تلازم صوتها، فهي تعتبر أن "حارة الفقوس" وجدت من الظلم الإسرائيلي قسطًا كبيرًا.

كان من جميل الصدف أن تسكن امرأة شامية في زقاق من حارة الفقوس، فقد قررت يومًا أن تطبخ طبخة الفقوس والتي كانت معروفة في سوريا وقتها، وفرّقت أطباقًا منها على جيرانها، كما اعتادوا في حارات الشام القديمة، ووزعت طريقة طبخها على نسوة الحارة جميعًا، ما يقال إنها اشتهرت بعدها بالفقوس الذي كانت أشجاره تنتشر فيها، ولم يكن مشهورًا قبل هذه الطبخة.

22773425_778694788922071_764204443_n

بأسى يتسرب من صوتها، أخذت "العزيزي" تروي عن الظلم الإسرائيلي الذي تعرضت له "حارة الفقوس" في اجتياح 2002 بعد تنهيدة، تقول: "كانت من أجمل حارات البلدة القديمة، فهي وسط البساتين والمقاثي وسهول الفقوس والبطيخ والكوسا"، عدا عن الكوارث الطبيعية التي ساهمت في تشويهها.

ويكمن جمال "الفقوس" في وجود أجزاء مكشوفة منها تتمتع بنور الشمس أو نزول الأمطار، وأيضًا أجزاء مظلمة مسقوفة، كما أنها تتسع في بعض الأجزاء وتضيق في أخرى، ما يضفي على الحارة عبقًا من تاريخ قديم يحكي عراقة مدينة عتيقة.

حين تتجول في حارة الفقوس يلفت انتباهك الأقواس المميزة في أحجامها ولونها وتوزيع حجارتها، وفي تعدد اضلاعه وأقواسه الفرعية، وتعدد زوايا القباب والمداخل، تحكي "العزيزي": "كانت تحت هذه المداخل بيوت قائمة قبل أن يهدمها زلزال أو مدفعية أو طيران".

ذكريات كثيرة تأسر "عريب" حين تتمشى بين أزقتها، فهناك المقاهي التي تتمثل بكراسيها المربعة المصنوعة من القش، وجلساته النصف دائرية التي تكون عند زوايا الغرف، عدا عن حماماتها التركية التي تجذب السياح، واسترسلت تحدث "الرسالة" عن ذكرياتها فيها.

"النعومة" كانت لها حصة كبيرة من سرد "العزيزي" لذكريات "الزمن الجميل" في الحارة كما تقول لـ "الرسالة"، فهي "القضامة" الصفراء التي كانت من أشهر المسليات عند النابلسيين، والتي كان لها طقوس خاصة عندهم، قبل اختراع المولينكس، حيث كانوا يدقونها بـ "الهاون" وينخلونها ويخلطونها بالسكر، "الآن للأسف بثوانٍ يتم طحنها دون أي أجواء" تحكي.

حارة عتيقة

ويعد سبيل الطاهر من أبرز معالم "الفقوس" والذي أنشأه الحاج محمود أفندي بن الحاج أسعد الطاهر، وهو أحد وجهاء وأثرياء نابلس، وذلك سنة 1292 هجرية، 1875 ميلادية، كما كانت الحارة مليئة بالينابيع التي دمرت بسبب الزلازل.

وفي الجهة الشمالية من الحارة توجد مصبنة آغا نمر والتي يدهشك فيها ضخامة العامود الحامل للقوس وقصر ساقه وانخفاض السقف، كما كان هناك مصبنة أخرى لآل الخياط في جورة الفقوس حيث دمرت بالزلزال عام 1927 ولا تزال بقايا منها حتى اليوم.

وتضم البلدة القديمة في نابلس سبع حارات، هي الياسمينة والعقبة والقيسارية والحبلة والفقوس، والجوزة والجبالية، ولكل حارة منها حكايا لا تحصى.

البث المباشر