لا شك أن القضية الفلسطينية ليست قضية في أميركا اللاتينية لا تخص الأردن ولا تخص الأمة العربية... شاءت الدول العربية أم أبت، فقضية فلسطين تعني كل الدول العربية والعدو الصهيوني يشكل خطراً عليها كما يشكل خطرا على فلسطين.
قالها الأردن وما زال يقول إن قضية فلسطين في قلب الأمة، ويقف الشارع الأردني بكل أحزابه ونقاباته وشخصياته الوطنية والإسلامية مع فلسطين قلبا وقالبا.
لكن مع الأسف وضعت الأردن سنة 1999 معايير للعلاقة مع حماس لم تستطع تجاوزها، وذلك خضوعا للضغوط الصهيونية والأميركية، وكسرت في سبيل ذلك الدستور والقانون، بالتزامن مع انتهاء حقبة الرؤساء الذين كانوا يملكون قدرا من الشجاعة للوقوف في وجه الضغوط الصهيوأمريكية، حتى أضحى العمل لقضية فلسطين جريمة ينبغي أن يعاقب عليها أو يطرد من البلد.
وقد حاولت حماس التأسيس لصفحة جديدة من العلاقة مع الأردن عدة مرات، حيث التقى وفد الحركة الزائر للمملكة في يوليو سنة 2002 بكافة المستويات السياسية والأمنية في المملكة وهي لقاءات تعتبر الأولى على هذا المستوى منذ إبعاد قادة الحركة عن عمان مطلع عهد الملك عبد الله عام 1999، واغلاق مكتبها هناك بناء على طلب رئيس السلطة حينها ياسر عرفات.
وحرصت حماس دوما على طمأنة الأردن ملكا وحكومة على موقفها حيال أمن الأردن واستقراره، والتزام حماس عدم التدخل في الشأن الداخلي باعتباره شأنا أردنيا خاصا، وعدم التدخل كذلك بأي شأن يتعلق بجماعة الاخوان المسلمين الأردنية، وتكرار موقفها الرافض بالمطلق للتوطين أو الوطن البديل أو عمل أي إنجاز سياسي على حساب الأردن
إلا أن النقاشات والحوارات انفجرت في الدوائر النخبوية والسياسية وعلى صفحات الجرائد الأردنية في أعقاب المكالمة الهاتفية التي أجرها رئيس المكتب السياسي لحماس مع الملك عبد الله، عن أفق عودة العلاقة مع حماس، في إطار إعادة الدور والتأثير السياسي للمملكة في أعقاب التهميش الذي تتعرض له الأردن إقليميا ودوليا، لدرجة أن مصر الجار العربي الأقرب لها لم يضعها في صورة مساعي المصالحة التي تقودها القاهرة بين الأفرقاء في الساحة الفلسطينية، الأمر الذي دفع الملك عبد الله لإبداء امتعاضه منه.
ومما يعطي هذا الحديث زخما ونسبة معقولة من الأمل هو الإحساس العميق من النظام الأردني بوجود محاولات لتهميش الأردن من الحلفاء والأصدقاء على حد سواء، في تجاوز واضح للدور الأردني، في وقت باتت تطفوا على السطح فيه علاقات عربية وخليجية صهيونية أمنية وسياسية بات وضعها فوق الطاولة قاب قوسين أو أدنى.
ومع فقدان الأردن لقوة دوره وموقفه وموقعه الجيواستراتيجي، فقد الأردن معه أيضا حصة كبيرة من المساعدات المالية المباشرة للأردن من دول الخليج، بعدما كانت تنقذ موازنة المنهارة.
فهل هناك مخطط إقليمي ودولي لتجويع الأردن، لدفعه للقبول بالخيار الأردني والوطن البديل في ظل التسارع الصهيوني لابتلاع ما تبقى من الضفة المحتلة بالمغتصبات التي يجري البناء فيها في سباق مع الزمن على مدار الساعة.
أم هناك تحولات كبيرة على صعيد المنطقة بما فيها الدور الوظيفي الأردني، في ظل تهاوي النظام الإقليمي وتشكّل آخر، يسعى الأردن لإيجاد مكان مناسب يتموضع فيه.
فمع تهاوي العراق وصمود سوريا ودخول روسيا وإيران وتركيا للمعادلة الأمنية في المنطقة، ومحاولة احتلال السعودية لموقع الدولة المحورية خلفا لمصر التي تتوارى خلف أزماتها الداخلية، ومع انهيار السيادة في دول تعمها الفوضى مثل ليبيا واليمن، وصعود الهويات الطائفية الشيعية والاثنية الكردية، بات الأردن مدعوا لإعادة التقييم والتفكير مليا في امتلاك مزيد من أوراق القوة، والعلاقة الجيدة مع حماس أحد أوراق القوة.
كان الأردن يحظى بإسناد صهيوني ودعم امريكي عندما كان وحده من يحمي ظهر "اسرائيل"، لكن بدأ هذا الدعم يتلاشى مع تنامي العلاقات الصهيونية مع دول الخليج العربي وعلى رأسه المملكة السعودية.
فهل تتحلى الدبلوماسية الأردنية بالذكاء وتعمل على تجاوز كوارث المنطقة وتحافظ على موقعها الجيواستراتيجي عبر الانفتاح على من يملك أوراق القوة في المنطقة.
وهل سيعمل النظام الأردني على تغيير مسار العلاقة مع حماس واختراق جمود العلاقة وتحويل التواصل الهاتفي بين القيادتين في هذه اللحظة الفاصلة إلى فرصة تاريخية لإثبات الوجود عبر ترتيب علاقاتها الخارجية.
ليس الأردن وحده على مفترق طرق، بل أغلب دول المنطقة، والعاقل من يقرأ التحولات قبل أن تجتاحه، ويعمل على تحصين نفسه بعلاقات منفتحة وقوية وحيازة أكبر قدر من أوراق القوة التي تعتبر حماس أحد أهمها.