قراءة في رواية:

شيفرة بلال... ربما تغير فيك شيئًا !!

شيفرة بلال
شيفرة بلال

الرسالة نت

 

رشا فرحات

حينما انتهيت من قراءة رواية شيفرة بلال للكاتب العراقي أحمد خيري العمري، قلت وأنا مسحوبة الأنفاس، هذا ما نحتاج إليه، شكرًا للتطورات السياسية التي قدمت لنا هذه الأقلام.

 

أنا كغيري، من القراء، مللنا الأسطوانة العجيبة والصياغة غير المشوقة التي يكتب بها معظم من كتب عن حياة الصحابة والأنبياء، وهذا ما نحتاج إليه، خروج عن المألوف، مموج بتطورات الواقع.

 

 بلال بن رباح وما تحت السطور، تأملات في سيرة وكلمات وأفعال مؤذن الرسول، ممزوجة بسيرة طفل أمريكي اسمه بلال يصاب بالسرطان ويقبل على الموت، فيتعرف بطريقة او بأخرى وبأحداث تسردها الرواية بكل متعة على سيرة بلال الحبشي، فيغير من حياته ما يغير، ويجعل فكرة مواجهة الموت أبسط وأجمل بشرط أن ننجح في ترك بصمة وراءنا قبل الموت، هذا ما قدمته الرواية، مستمدة من سيرتين، لبلالين، تركا وراءهما كثيرا قبل الرحيل.

 

بأسلوب شيق ووصف بسيط، ممزوج بالتأمل يدخل الكاتب تدريجيًا إلى حياة الأبطال الأربعة في الرواية : بلال الصغير... وأمجد الملحد... ولاتيشا المظلومة... وبلال بن رباح.

 

وبين سطر وآخر يعطيك الكاتب دفعة للحياة والتأمل، ويعطيك ضوء أخضر للحديث إلى الله بكل ما اوتيت من عفوية وبراءة حتى تصل إلى كل أجوبتك التي تريد، بطريقة مقنعة.

 

 لذلك قلت في نفسي إن هذه الرواية هي ما نريده، في هذا العالم الذي شوه لنا الإسلام من جهة، والذي بالغ من جهة أخرى بتقديس شخصيات إسلامية، وكأنها خارقة أو خارجة عن المألوف، لكنها في الحقيقة كانت مثلنا، تفرح وتبكي وتتعذب، وتنتصر وتنهزم، وتؤمن وتكفر، وتحب وتكره، وكل هذا كان ظاهرًا في شخصية بلال بن رباح البطل الرابع في الرواية.

 

ولعل ما لامس قلبي في الرواية هو الاستعانة برواية أخرى في صفحاتها، فقد خرجت منها وأنا أبحث عن رواية أخرى وهي رواية "جذور" وهي رواية تاريخية ألفها أليكس هيلي ونشرت عام 1976. ثم أنتجت مسلسلًا تلفزيونيًا باسم "جذور" في نفس العام.

 

رواية جذور كانت حاضرة بين يدي البطلة، تدرسها لطلابها في الصف، وكانت كرسالة مشتركة لرواية شيفرة بلال، وهي العنصرية، وتاريخها والى أي درجة دمرت الإنسانية، وإلى أي درجة أيضًا تغلبنا عليها، وقد تصيبنا في مقتل حينما تقول لاتيشا معلمة الأطفال السوداء ووالدة بلال الأسود، التي ما زالت تعاني من نظرة مديرها العنصرية:

"عندما يتغير القانون، ولو على نحوٍ كاملٍ وجذري، فإن هذا لا يعني أن ما في النفوس قد تغير بالضرورة.. ذلك أن هناك أشياء هلامية، لا تُرى، تتحكم في تنفيذ هذا القانون !"

 

هذه العنصرية التي نعاني منها نحن أيضًا بنسب مختلفة، والتي عانى منها أيضًا بلال بن رباح، وبلال الطفل وأمه المعلمة السوداء، وأمجد العربي،  والتي ما زالت تنخر في نفوسنا بشكل أو بآخر والتي لم نتغلب عليها بالمطلق.

 

في الرواية أيضًا هزيمة ونصر، هزيمة تخطف القلب، ونصر يدمع العين، يتجسد في تصوير الكاتب لعودة بلال بن رباح إلى مكة في فتح مكة الأعظم، هكذا بكل قوة، بلا تعب، بقدرة الله فقط، بدعمه، بثباته وقوته ودفعه للاستمرار، يعود بلال منتصرًا.

 

 بلال الذي كان قبل سنوات ينام في قيظ الصحراء وعلى صدره صخرة الظلم، ينادي من تحتها بصوته المختنق "أحد أحد" فيسخر منه الجميع، يقف الآن على سطح الكعبة وينادي بكل ما في صدره من هواء ويؤذن للصلاة، آذان النصر، وقد كان هذا المشهد من أجمل المشاهد التي صورتها الرواية.

 

ولا تخلو الرواية من المناقشات الدينية والوجودية بكل جرأة، وعلى لسان أمجد أحد أبطال الرواية الأربعة، والذي كان يكتب لبلال الصغير مقتطفات من قصة بلال المؤذن، وهو لا يحمل في قلبه ذرة إيمان بالله، بل كان ملحدًا يتخبط بين الأسئلة التي لا يجد لها جوابًا حتى صعقه بلال الصغير بجملة من تعبيره حينما قال:

" ما دُمتَ موجودُا، ثمة أبٌ بذر بذرته في أمك، حتى لو كان مجهولًا تمامًا، لكنه موجود.

 كذلك الرب، ما دمت موجودًا، فهناك مَن صنعك، هناك مَن وضع الأمور كلها بحيث أدت إلى أن تكون"

 

ويظهر الجمال جليًا في مخاطبة بلال الصغير في نهاية الرواية لله ليشكره على كل شيء قدمه له، حتى على قرب موعد موته، وحتى على كونه خلق مرض السرطان، بلال الذي قدم رسالة تقبل لنا جميعًا، مرحبًا بالموت لحبه الشديد لله وثقته به، يظهر هذا جليًا جميلًا في مناجاته له حينما قال:

 

" لم يكن عليك أن تخلق العالم على نحو أفضل، لقد خلقته هكذا- وهو رائع فعلًا- لكنك تركت لنا نحن فرصة أن نجعله أحسن، لم يكن عليك ألا تخلق السرطان، أو لا تجعله يتكون لقد تركته يحدث لأن بعض الطرق يجب أن تكون صعبة، بعض الأماكن لا يمكن الوصول لها إلا عبر الطرق الوعرة،  لو جعلتها سهلة لما كان يمكن الوصول لها أصلًا... لو جعلتها سهلة، لما عرفنا قيمة ما وصلنا له أصلاً"

 

وقد أعجبني استرسال الكاتب واهتمامه بالنهايات كثيرًا، فأنا بطبعي لا أحب النهايات المفتوحة، أحب أن يظل الكاتب معي للحظة الأخيرة، وكأنه يطمئنني على سير الأمور، وبأن كل شيء في النهاية سيكون على ما يرام، حتى لو كانت النهاية موت بلال الصغير، ولكنها كانت موتة جميلة لما تركه وراءه من أثر.

 

في النهاية عزيزي القارئ، هذه الرواية إجابة على كثير من الأسئلة، أو هي إسكات لها على الأقل، أسئلة تدور في كل عقل منذ الصغر، أين الله ؟! لماذا حدث ذلك؟ لماذا مرض ابني، لماذا أنا بالذات، لماذا حينما ندعو وندعو لا نجد الاستجابة العاجلة من الله، لماذا يمرض طفل صغير كبلال، ما ذنبه؟!

تأمل فقط سطورها كما تأملتها، ربما تخرج راضيًا، وربما لا، لكنها أكيد دعوة للتغيير.

البث المباشر