يضع الاستهداف (الإسرائيلي) الأخير فصائل المقاومة الفلسطينية أمام خيارات صعبة، ويشكل حالة قد تبدو جديدة على الواقع الفلسطيني، فاتحاً المجال أمام تساؤلات عديدة حول طبيعية الرد الذي يمكن أن تنفذه المقاومة للرد على الجريمة التي أدت إلى ارتقاء سبعة شهداء وإصابة وفقدان آخرين.
وأكدت فصائل المقاومة في قطاع غزة، احتفاظها بحق الرد على جريمة الاحتلال الصهيوني، فيما دخل الأخير في حالة تأهب قصوى تحسباً للرد.
استدراج للمقاومة
"الرسالة نت " استقرأت في أحاديث منفصلة رأي الكاتبان طلال عوكل ومحمود العجرمي حول خيارات المقاومة، حيث اعتبرا أن الرد على الجريمة الإسرائيلية يكون بالتعجيل في المصالحة الفلسطينية، وشددا على عدم الخضوع للاستدراج وردات الفعل غير الموزونة، مع حق المقاومة الاحتفاظ بالرد في الوقت والمكان المناسبين.
وذكر عوكل، أنه من حيث المبدأ فإن الرد المناسب والأفضل على الجريمة الصهيونية الجديدة -ارتباطاً بالوضع الذي تمر فيه القضية الفلسطينية -هو "التعجيل من قبل الكل الفلسطيني في المصالحة الوطنية"، عاداً أنه ليس هناك شيء يوجع (إسرائيل) أكثر من إنهاء الانقسام والذي تعتبره الأخيرة ذخراً استراتيجياً لها.
وأوضح عوكل لـ "الرسالة نت " أن (إسرائيل) تستهدف المصالحة الفلسطينية وتستهدف استدراج رد فلسطيني يخلق لها مبرراً وذريعة لتصعيد الأوضاع بالحد الذي يحرج المقاومة، مفسراً حديثه بأن فصائل المقاومة تحدثت عن المعالجة لموضوع سلاحها وحقها في مقاومة الاحتلال في إطار المصالحة عبر إخضاع كل الجسم المقاوم للقرار الوطني "قرار السلم والحرب"، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن الحكومة الفلسطينية الحالية موجودة في قطاع غزة ومسئولة، ولذلك ليس بالاستطاعة تجاهل دور الحكومة، وهناك حاجة لأن يكون الموقف الفلسطيني موحداً في مواجهة (إسرائيل)، وبالتالي ليس بمقدور المقاومة أمام كل ضربة إسرائيلية لها هدف معين مساعدتها على تلبية هذا الهدف، على حد تعبيره.
وقال عوكل أن "الصراع مفتوح ولا تنتهي المسألة عند حدود الرد على العدوان بطريقة سياسية وإنما بطريقة عسكرية أيضاً، ولذلك الوقت أمام المقاومة حتى تلقن الاحتلال الدرس المطلوب والمستحق على جرائمه المتكررة".
وأردف: بالرغم من أن الجريمة كبيرة والوجع كبير، لكن الأوجع بالنسبة للشعب الفلسطيني هو التهويد والاستيطان الذي يتمدد في الضفة بكثافة هذه الأيام (..) لقد استشهد من شعبنا عشرات الألوف وجرج وأُسر أكثر منهم بأضعاف، ولكن مازال الصراع مستمراً والشعب يقاوم".
إحراج للراعي المصري
وجاء نفي جيش الاحتلال الصهيوني علمه بوجود مقاومين في النفق الذي تم استهدافه، والذي عدته أوساط صهيونية اعتذاراً للمقاومة، ليكشف خوفاً داخل الكيان الصهيوني من رد فعل المقاومة على جريمته النكراء.
وعلق عوكل على الرواية الصهيونية سالفة الذكر، بأنه لا يمكن تصديق الرواية الإسرائيلية في جميع الأحوال، عاداً أن (إسرائيل) لا تعتذر ولا تتراجع وليس لديها ذرة رحمة ولا يهمها عدد الشهداء وما يترتب على جرائمها التي ترتكبها يومياً بحق الشعب الفلسطيني.
غير أن عوكل اعتبر أن ضربة (إسرائيل) الجديدة لغزة كانت محرجة للراعي المصري الأساسي للمصالحة، لافتاً إلى أن "اعتذار إسرائيل ليس للدماء الفلسطينية وإنما للمصريين والأمريكان والأوروبيين الذين طالبوا بتحقيق المصالحة وأعطوها الضوء الأخضر".
العبرة في النتائج
وكمن سبقه، فقد عبر العجرمي عن اعتقاده، بأنه ليس من الحكمة أن تُستدرج فصائل المقاومة في هذه اللحظات الفارقة للرد على الجريمة الصهيونية الأخيرة، عاداً أن هذا الاستدراج جزء مما يخطط له العدو والقوى المتربصة بالوحدة الوطنية الفلسطينية.
وأوضح العجرمي، أن الدروس المستفادة من عمليات الاستدراج الصهيوني السابقة، تقود إلى "أن يجري الرد في الوقت الذي يصبح فيه هذا الرد ممكناً وذو نتائج إيجابية لصالح العمل الوطني الفلسطيني"، مضيفاً "لا شك أن الحدث كبير وكبير جداً، وأن الرد ضرورة ولكن نتائج هذا الرد هي التي تحكم عملية الرد في حد ذاتها ومعركتنا مع العدو ممتدة وتحسب بالنقاط".
اعتذار خفي
ويرى العجرمي في "الاعتذار المبطن" للاحتلال عن عملية الاستهداف، بأنه سابقة ليس فقط على مدى الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، وإنما على مستوى الصراع العربي مع (إسرائيل)، غير أنه يرى هذا -الاعتذار المبطن- تكتيك ممجوج مكشوف، حيث أن الاحتلال دائماً ما يتحين الفرص ولا يعنيه أكثر من محاولة الوصول إلى المناضلين في صفوف المقاومة وقياداتها لتنفيذ عمليات الاغتيال، وآخر نموذج لذلك المحاولة الآثمة لاغتيال المناضل الكبير اللواء توفيق أبو نعيم.
وكان اللواء أبو نعيم قد نجا-الجمعة الماضية- من محاولة اغتيال فاشلة إثر تعرض سيارته لتفجير بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وتعرض خلالها لجراح متوسطة. واستنكرت فصائل فلسطينية بشدة محاولة الاغتيال، مؤكدة أنها لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي.
وأردف العجرمي "الاعتذار الصهيوني الخفي لا قيمة له، وفصائل العمل الوطني تعي ذلك جيداً، وهو اعتذار مرتبط بسبب الوضع الإقليمي العربي وكذلك بالوضع الدولي الذي يفرض على العدو أن يتراجع خطوة ويعطي مبررات واهية".
وتابع العجرمي "مصر كشريك وضامن للمصالحة معنية تماماً بضبط الأمور، وحتى تنجح هذه الخطوة المصرية غير المسبوقة في رعاية المصالحة الفلسطينية، وبالتالي الدور المصري في هذا السياق والدور الإقليمي والدولي يفرض تدخلاً من هذا النمط، وبالتأكيد هذا التدخل كان فاعلاً في تهدئة الساحة الفلسطينية".
يذكر أن مصادر إسرائيلية وفلسطينية، أكدت حدوث حراك من قبل المخابرات المصرية، لمنع التصعيد بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد جريمة استهداف النفق.