التاريخ عبرة للتاريخ، وهناك حكم وعبر لا بد من الوقوف عندها في تاريخ الدول المستعمرة لفهم قواعد العلاقة بين الشعوب والاحتلال. ولعل الوقوف على القضية الفلسطينية بجميع عناصرها (الأرض والإنسان والاستعمار) يستوجب استدعاء ذاكرة ليست بعيدة، فشهود القضية ما يزالون بين يديّ صناعة القرار وما يزال الناس يحتفظون بالمفتاح والكوشان، وأحداثها ما تزال تصنع حاضر القضية ومستقبلها، وذاكرة الوطن تشهد على أول مستوطنة في ملبّس وحفريات المسجد الأقصى الحالية.
إن ذاكرة التاريخ المعاصر سجلت استدراجا لمنظمة التحرير الفلسطينية أرغمتها إلى مضمار منزلق تستطيع أن تتنبأ بنهايته مسترشدا بالمسار في خطوات تستعصي عليها الاستدراك أو حتى التوقف كما حدث مع أبي عمار.
إن مسلسل انحدار القضية الفلسطينية من شعار القضاء على (إسرائيل) وهنيئا لك يا سمك البحر، وشعار المنظمة "عدم التنازل عن حبة رملٍ واحدة" مرورا بقبول 242 والاعتراف بـ(إسرائيل) وتجميد ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية (الكادوك)، وتصريح أبي مازن أن (إسرائيل) وجدت لتبقى في عهدة عباسية جديدة تلغي العهدة العمرية.. كل هذا لم يكن كافيا عند ليبرمان ليشفع لعباس بعدم المس به، بل يرى ليبرمان أن الزمن لم يتوقف وأن الاستدراج يتّسع ليخيط أبو مازن قبعات متديني اليهود كما يقول شاعرهم ويحتفل معهم بساحات الأقصى بعيد العرش اليهودي.
إن وضوح مضمار الاستدراج للمنظمة يلزم حماس وفصائل المقاومة بالرجوع إلى ما قبل التاريخ لتخطّي فذلكات البرجماتيّة المتدحرجة وتخطّي فخ قبول الرأي العام العالمي حين تحدّثت عن إمكانية القبول بدولة في الـ67 مقابل هدنة طويلة الأمد، طامعة بأن يكون هذا بوابتها بالقبول عند الغرب في أول خطوة استدراجية في مضمارٍ جديد ربما يكون له فتاوى سياسية عبقرية، أو حتى تأويلات شرعية برجماتية.
وان استدراك الاستدراج أيضا يُلزم حماس بعدم احترام أي اتفاقات وقعتها منظمة التحرير مع (إسرائيل)، وأن المنظمة كيان مات غير قابل للتحنيط، وأن دخول حماس للمنظمة بعد تحنيطها أو إصلاحها كما يدعون خطوة تماهٍ مع ما وقعته المنظمة من اتفاقات مع (إسرائيل)، وأن المصالحة الوطنية لا تعني بأي حال من الأحوال القبول ببرنامج سياسي تحترم فيه اتفاقية أوسلو، وأن التصالح الحزبي لا يعني التصالح ضد الوطن، فلا بد من الخروج برؤية وطنية تصحيحيّة نميّز فيها بين برنامج إدارة يوميات الوطن وبرنامج إدارة الصراع الذي خرجت منه منظمة التحرير الفلسطينية من دائرة المقاومة ولم تعد.
وعلى حماس أن تعلن نفسها أنها وجدت للقضاء على "دولة إسرائيل"، وأن (إسرائيل) كيان واجب الزوال، وأن تحرير البلاد كاملةً بالمقاومة هو برنامجها السياسي والعسكري والاجتماعي والترفيهي، وأن الغرب يتحمّل وزر هذا الكيان الطارئ، وأن هذا البرنامج هو بوابة دخول حماس للعالمين الإسلامي والعربي، فلا بد من التنظير لهذا في الغرب ليأخذ قراره برفع الغطاء عن (إسرائيل) باعتبارها خطيئة غربية استوجبت التصحيح.