لولا أن لدى حركة حماس قرارا استراتيجيا يقضي بتنفيذ المصالحة مهما كانت المعيقات والتنازلات، لعادت المصالحة إلى مربع الجمود، إثر الألغام التي زرعتها السلطة في طريق تنفيذها، وأبرزها عودة اتفاقية المعابر 2005، وإقصاء موظفي غزة من المعابر، والمطالبة بالتمكين الأمني، وخفض الجباية وتأثيره على الدفعة المالية التي ستقدم للموظفين مطلع الشهر المقبل.
وإضافةً لما سبق، يظهر في المقدمة ملف إنهاء العقوبات عن قطاع غزة والتي كانت مرتبطة بحل اللجنة الإدارية، وبالمناسبة يشكل هذا الملف مطلبا شعبيا وليس من حركة حماس وحدها، ويتضمن الملف أزمات الكهرباء وخصومات الرواتب، والأدوية والتحويلات الطبية، عدا عن تشكيل اللجنة الإدارية والقانونية لبحث ملف الموظفين، دون إشراك أي مختص نيابةً عن حركة حماس كما جرى التوافق على تشكيل اللجنة في اتفاقات سابقة.
وفي التفاصيل، أحدثت أزمة سعي السلطة لإعادة العمل باتفاقية المعابر لعام 2005، غضبا فصائليا -بما فيها حركة فتح- وشعبيا واسعا، إذ تتضمن الاتفاقية عودة المراقبين من الاتحاد الأوروبي للعمل في المعبر، ومراقبة إسرائيلية غير مباشرة، وهذا ما يتضمنه عودة كشوفات قوائم منع السفر لمئات الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، أي ما يعني استكمالا لدوائر الحصار على غزة.
وكان يمكن لفجر الأول من نوفمبر أن يكون الأخير في تاريخ المصالحة، بعد أن رفض رئيس هيئة المعابر في السلطة نظمي مهنا وجود أي موظف مدني أو عسكري في المعابر الثلاثة (كرم أبو سالم، رفح، بيت حانون)، إلا أن قيادة حماس وبوجود الوسيط المصري، قبلت بذلك، رغم أنه مخالف للتوافق الذي جرى التوصل إليه في القاهرة، بأن تكون الشراكة مبدأ العمل في كل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية بغزة.
وبعد أن سحبت الداخلية بغزة قواتها الحامية للمعابر الثلاثة، شعرت السلطة بالأزمة على المعابر، وحالة الفوضى في عملها، مما استدعى رئيس الوزراء رامي الحمد الله للحديث عن مسألة جديدة عنوانها التمكين الأمني، وقوله إنه لا يمكن العمل في المعابر دون وجود قوات أمنية، إذ طالب الفصائل التي ستجتمع نهاية الشهر الجاري في القاهرة بضرورة حل الملف الأمني في أقرب وقت.
ما سبق حذا بوزارة الداخلية لإصدار توضيح مهم في قضية التمكين الأمني قائلة: "اقترحنا على هيئة المعابر أن تبقى الأجهزة الأمنية متواجدة في المعابر لمساندة الهيئة في عملها وتمكينها من تشغيل المعابر بسهولة؛ وذلك لفترة مؤقتة لحين الانتهاء من ترتيبات الملف الأمني، لكن الهيئة رفضت وأكدت أنها جاهزة لتشغيل المعابر فوراً ولا حاجة لها بأيّ من موظفي المعابر في غزة، وهو ما تم بالفعل".
وأشارت الوزارة إلى أنه وبحسب اتفاق القاهرة الأخير كان من المقرر وصول وفد أمني من الضفة للاجتماع بقادة الأجهزة الأمنية في غزة لوضع تصورات وترتيبات العمل في المرحلة الحالية، وتنفيذ الشق الأمني من اتفاق القاهرة 2011، وأبلغناهم بجاهزيتنا لاستقبال الوفد الأمني ولكن الوفد لم يصل إلى الآن.
ورغم الإيجابية الظاهرة من قرار الحكومة بوقف الجبايات التي كانت المالية بغزة تحصلها من التجار عبر معبر كرم أبو سالم، إلا أن ذلك ينذر بانخفاض الدفعة المالية التي ستصرف لموظفي غزة عن شهر نوفمبر الجاري، حيث من المتوقع أن تعيد الحكومة صرف ما تم جبايته من غزة كدفع مالية لموظفي غزة، وهذا يعني أن الدفع ستكون أقل من 50 % التي كانوا يتقاضونها سابقاً.
ترؤس الحمد الله لاجتماع اللجنة الإدارية القانونية التي شكلتها الحكومة لبحث شؤون موظفي قطاع غزة، والذي جاء فيه إنه جرى استعراض الخطط والآليات الجاري العمل بها لإنجاز ملف الموظفين، كاد أن يحدث أزمة حقيقية في المصالحة، إذ جرى التوافق على أن تكون اللجنة من الحكومة وبمشاركة من حركة حماس ووزارات غزة المعنية، إلا أن ذلك لم يتم فعلياً.
وفي المقابل، تبدو حركة حماس في موقف المتابع لما تقوم به السلطة، وتسجل كل هذه الخروقات لما جرى التوافق، مع التأكيد على امتعاضها مما تقوم به الحكومة والسلطة على حد سواء، وهو ما دفع عضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق لتسجيل نقطة نظام، وتصريحه بأن ما يجري لا علاقة له بالاتفاق بين حركتي حماس وفتح في القاهرة.
على أي حال، رغم أن حركة حماس استطاعت أن تجتاز هذه الألغام التي زرعتها السلطة في طريق المصالحة، إلا أنها لن تستطيع التعامل بذات الحالة مع الاختبار الأخير للمصالحة والذي يتعلق بصرف حكومة التوافق لراتب شهر نوفمبر لموظفي غزة.