بملابس شتوية مهترئة وأغطية ممزقة، تستقبل الأسيرات الفلسطينيات فصل الشتاء في زنازين باردة، فهن يعتبرنه ضيفًا ثقيلًا عليهن، وأداة لمضاعفة تعذيب السجانين لهن، عبر منع إدخال مستلزمات فصل الشتاء، وقسوتهم معهن أثناء اقتيادهن للمحاكم عبر "البوسطة".
"البوسطة رحلة عذاب، ولكنها في الشتاء تعد رحلة موت"، بهذه العبارة بدأت الأسيرة المحررة هيفاء أبو صبيح حديثها مع "الرسالة" عن معاناة الأسيرات في فصل الشتاء، وراحت تروي محطات الألم فيه.
بأسى كبير تستذكر "أبو صبيح" رحلة البوسطة التي خرجت بها مع الطفلة الأسيرة المصابة "لمى البكري" (14 عامًا)، برفقة أسيرتين قاصرتين أيضًا، حيث كانت تصعد "لمى" إلى سيارة البوسطة "المقبرة المتنقلة" كما تصفها، بصعوبة كبيرة كون إصابتها في قدمها، إذ تقول: " الصعوبة جسدية ونفسية حيث كانت لمى تستفزها كثيرًا استهزاءات السجانين، ما يسبب لها تعبًا نفسيًا كبيرًا"، عدا عن الألم المصاحب لها من الإصابة.
فعند صعود لمى يومها إلى البوسطة كانت ترتدي ملابس خفيفة، لمنع السجانين لها أن تحمل أكثر من غطاء رقيق، كما أن البوسطة بطبيعتها "باردة للغاية"، إلى درجة أصبحت "لمى" يومها تنتفض من شدة البرد.
تسترسل: "عمد السجانون حين لاحظوا أننا نعاني من برودة البوسطة أن يزيدوا درجة التكييف البارد إلى أقصى درجة"، رغم أنهن لم يتوقفن عن الصراخ وهن يحاولن الحديث معهم بالعربي والعبري يطالبن بإطفاء المكيف، "لكن لا حياة لمن يصرخ" كما تحكي.
فلم يستجب السجانون لمطالبهن، فأخذت الأسيرات بالبكاء معها، وقد كانت أكبرهن، ثم أصبحن يطرقن بأقدامهن حديد الحافلة، كي يسمعهم الأسرى المدنيون الذين كانوا يجلسون في الخلف معهم، ما جعل البوسطة تهتز بشكل كبير وقتها.
بصوت يبدو عليه الحزن تضيف "أبو صبيح": "لمى كانت تصرخ كثيرًا وقتها لشدة البرد، ما جعلني أرفع جلبابي عني وأغطيها به"، ورغم ذلك لم يستجب السجانون وقتها لطلبهن حتى وصولهن المحكمة والطريق "لم تكن قصيرة".
"شتاء وتشويش"
وللإذاعة حكاية قاسية أيضًا مع الأسيرات اللاتي يقبعن في معتقل الدامون تحديدًا، وهو أحد المعتقلات الإسرائيلية الذي ليس فيه أي مقومات لإيواء البشر.
حيث تعد البرامج الإذاعية هي الطريقة الوحيدة للتواصل بين الاسيرات وذويهن، كي يتم سماع أصواتهم والاطمئنان عليهم ومعرفة أخبارهم، تقول أبو صبيح: "لا يمكن وصف معاناتنا مع الإذاعة في الشتاء".
ولأن معتقل الدامون قريب من البحر، فإن أي شيء يؤثر على حركة البحر من رطوبة عالية أو رياح شديدة وأجواء غير مستقرة يؤثر تلقائيًا على سماع المحطات الإذاعية، كما تحكي.
ففي الأجواء شديدة الرياح، كانت أبو صبيح تضع السماعات في أذنيها لمدة ساعتين قبل موعد بث البرنامج، كونها لا تثبت الصوت إلا في وضعية معينة، حتى أنها تحرص على عدم حركتها حتى تتمكن من السماع والنقل للأسيرات اللواتي ينتظرن الاطمئنان على ذويهن رغم الصعوبات التي تواجهها، وتضيف: "أحيانًا يبقى التشويش المؤذي في أذني حتى صباح اليوم التالي لشدة قوته".
قسوة برد وسجان
تكمل "أبو صبيح" رواية فصول العذاب المسلطة على الأسيرات في الشتاء، وتتمثل في ابتزاز إدارة السجون لهن من حيث منع إدخال الأغطية والملابس الشتوية، إضافة إلى عدم توفيرها لهن، فهي حتى عند سماحها لإدخال ملابس وأغطية تستبدلها بأشياء قديمة ممزقة لا تمدهم بأي دفء.
تقول: "تجبر إدارة السجون الأسيرات على شراء مستلزمات الشتاء من الكانتينة والتي تكون ذات سعر خيالي يفوق قدرة الأسيرات"، عدا عن محاولات التنغيص عليهن في البرد القارس كعمليات الاقتحام الليلي للغرف والأقسام، بالإضافة إلى عمليات التفتيش خاصة العاري.
ووفق القوانين الدولية فإن إدارة السجن ملزمة بإدخال زي شتوي للأسرى مع بداية كل فصل شتاء، لكنها كعادتها تضرب بهذه الاتفاقيات عرض الحائط غير ملتزمة بأي بند منها.