قائمة الموقع

في منزل الأسيرة "أبو كميل".. طفلة بثوب الأمومة وأسئلة بلا إجابات!

2017-11-17T11:49:19+02:00
الطفلة
غزة - ياسمين عنبر

لم تعد ترُق للطفلة "أميرة أبو كميل" جلسات رفيقاتها في المدرسة خلال الاستراحة بين الحصص الدراسية، فحديثهن أصبح لا يهمها وجدول حياتهن الطفولي لا يناسبها، حين لبست ثوبًا يكبر مقاس سنها بكثير، بعد أن حكم الاحتلال على والدتها بالسجن في معتقلاته الظالمة.

فأميرة طفلة الأسيرة "نسرين أبو كميل" (10 سنوات) وجدت نفسها في دوامة بين إخوتها الستة ومتطلبات المنزل، لا سيما أن أصغرهم وقتها لم يكن يتجاوز ثمانية الشهور بعد، حيث مسؤوليات البيت التي لم تفكر بها من ذي قبل في وجود أمها، كلها تكومت على كاهلها.

حرمان وعلامات استفهام !!

"الرسالة نت" زارت بيت الأسيرة "أبو كميل" لترصد فصول "الوجع والحرمان" عند أطفالها، يقول حازم أبو كميل زوج الأسيرة: "معاناة كبيرة نعيشها منذ أسر والدتهم حتى الطعام لا تستطيع طفلتي صنعه وأصبحت في مأساة حقيقية بين دروسها في المدرسة وأعمال البيت"، مؤكدًا على أن حياته وأطفاله أصبحت بلا طعم بعد أسرها، وراح يروي قصة اعتقالها.

حيث إنه في الثامن عشر من شهر أكتوبر عام 2015 توجهت "نسرين" إلى معبر بيت حانون "إيرز"، بعد أن اتصلت عليها سلطات الاحتلال وأخبرتها بضرورة التوجه للمعبر لاستلام تصريح لزوجها يسمح له بالدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948كما يحكي.

فهي تحمل هوية (إسرائيلية) لأنها من حيفا، لذلك تقدمت لزوجها بطلب تصريح للدخول إلى الأراضي المحتلة، وبناء على طلبهم توجهت للمعبر وبعدها تفاجأت بضابط من مخابرات الاحتلال يتصل به ويخبره أنها معتقلة.

ويكمل: "مكثت في تحقيق زنازين "المجدل" لمدة 11 يومًا، ثم نقلوها إلى سجن الهشارون، والآن تقبع في سجن الدامون بحالة صحية صعبة"، حيث تعاني من وجود كتل سرطانية في الغدد، وقد أجرت عدة عمليات وهي في السجن كان آخرها قبل أسبوعين.

"متى حترجع ماما، وين ماما، ليش أخدوها" هي بعض من سيل أسئلة يومية يبوح بها أطفال "أبو كميل" لأبيهم عن سجنها، يقول: "واجهت مأساة حقيقية مع أطفالي السبعة في سؤالهم عن رجوع والدتهم"، مؤكدًا على أنه بالرغم من مرور عامين على أسرها، إلا أنه لم ينته من مرحلة علامات الاستفهام الكثيرة التي تدور في خلد أطفاله ولم يجد لهم جوابًا يشفي حرمانهم.

حكايات فقد

كل واحد التقته "الرسالة نت" في منزل "أبو كميل" كانت معاناته مختلفة بعد فقد "نسرين"، فتيقن وقتها أن في بيوت الفلسطينيين تتعدد أسباب الغياب والحرمان واحد.

حيث وجدت أميرة "البنت الكبرى" أنها وبدون سابق إنذار قد استبدلت ألعابها بسلات الغسيل وأدوات التنظيف المنزلية، كما استبدلت منصة المدرسة الإذاعية التي كانت تشارك فيها بمنصة الصليب الأحمر لتوصل معاناتها وإخوتها للعالم.

 بصوت مرتجف تقول أميرة: "لم أكن أفهم وقت أن ذهبت أمي لماذا يبكي أخي الصغير فلم أعلم ماذا أفعل له في الليل ولا في النهار".

"كنت الأولى عالصف بس لما راحت ماما بطلت"، تحكي "ملك" طفلة الاسيرة "أبو كميل"(8 أعوام) بصوتها الحزين لـ"الرسالة" والتي ما فتئت تنظر إلى صور والدتها التي تملأ جدران البيت أثناء الحديث عنها.

بنظرات طفولية تلتفت "ملك" إلى أبيها وتقول: "بابا اشترالي فستان جديد لاستقبال ماما "، حيث أصرت عليه أن يذهب معها إلى السوق لشراء فستان ألوانه زاهية لترتديه يوم تحرير أمها، والذي ما كان من الأب إلا أن يلبي طلبها "لزرع الأمل في نفوس أطفاله بالفرج القريب" كما يقول.

ثم تعبر عن مدى فقدها لامها أنها لا تريد رؤيتها عبر الصور وشاشات التلفزيون فقط، وتتابع: "أنا بدي أشوفها عالطبيعة أرجع عالبيت أحكيلها كل اشي بصير معي بالمدرسة وأحكيلها تاخدنا رحلة يوم الإجازة، أنا ولا بكلمها ولا بزورها".

بجانب "ملك" يجلس أخوها "فارس" والذي افتقد أمه بشكل كبير كما يحكي لـ"الرسالة"، فهو لم يكن يعلم أنه سيأتي يوم يفتقد فيه وصايا أبيه قبل خروجه إلى عمله بألا يزعج أمه، وأنها ستستبدل هذه الوصية ب"دير بالك على اخواتك"، يقول: "بتمنى امي ترجع اليوم قبل بكرة".

فعلى دفاتر مدرسته يكتب "فارس" رسائل لأمه وهو يعلم أنها لن تصل لها، فقد كتب ذات مرة: "ارجعي يا ماما كل يوم بحلم فيك إنك رجعتي معنا في الدار خطفوك من بيننا وطولتي كتير علينا، احنا بنتوجع انك انتي بعيدة عنا، حياتنا مش حلوة من دونك".

عبر البرامج الإذاعية التي توصل سلام الأهل والأحبة إلى الأسرى والأسيرات داخل السجون، والتي تعتبر الرئة الوحيدة التي يتنفس بها الأسرى في زنازينهم، تكون عائلة "أبو كميل" يوميًا على موعد مع إيصال أشواقهم إليها، يختم زوجها والألم بادٍ على وجهه: "الأطفال الذين تركتهم نسرين وعمرهم شهور معدودة الآن تسمع صوتهم ينشدون لها عبر أثير الردايو".

اخبار ذات صلة