يحسب للكيان الصهيوني وقادته أنهم استطاعوا حرف بوصلة اهتمام الانظمة العربية بالقضية الفلسطينية وتحويلها من قضية مركزية إلى قضية ثانوية من خلال خلق عدو وهمي للدول العربية وجرها لإفتعال أزمات مع ذلك العدو.
هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة عمل تراكمي تعاونت فيه اسرائيل بكل كياناتها السياسية والاعلامية والاقتصادية والثقافية مستخدمة كل وسيلة ممكنة بغض النظر عن أخلاقية الوسيلة، ومن تجليات هذا النجاح النظر لإيران على أنها عدو العرب الوحيد وتضخيم هذا الخطر عبر الاعلام، كي يتسنى الدخول والتغلغل أكثر وبشكل علني ومرغوب فيه، في المنظومة العربية باعتبارها_ اسرائيل _ الحارس الامين.
فعلى عجلٍ ، وبطلب من المملكة العربية السعودية عقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعاً طارئاً بمقر الأمانة العامة لـجامعة الدول العربية لبحث ما اسموه سُبل التصدي للتدخلات الإيرانية في المنطقة، وكان من مخرجاته اعتبار حزب الله منظمة ارهابية ،وهذا قمة الانسجام والتناغم العربي مع الرؤية الاسرائيلية والامريكية لحزب الله، دون تطرق لما تفعله دولة الاحتلال في فلسطين.
والمتأمل في هذه النتيجة يجد أنها تأتي ضمن برنامج سريع الخطى لأرباك الساحة العربية تقوده السعودية لإثبات قدرتها للإدارة الامريكية بأحقيتها في زعامة الامة العربية والاسلامية بما يخدم المصلحة الامريكية والاسرائيلية.
إن التضخيم الامريكي والاسرائيلي من قدرات ايران لا يمكن النظر اليه على انه دليل حرص على العرب، بقدر ما هو فرصة تستثمرها امريكا واسرائيل وتسعى من خلالها إلى اهدار واستنزاف طاقات العرب السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية، وزيادة وتعميق الشرخ في الجسد العربي الذي هو بالأساس يعاني من تصدعات لم تبرأ بعد، والعمل على زيادة مبيعاتها من الاسلحة المختلفة كي تبقى المنطقة على صفيحٍ ساخن، وتتفرغ إسرائيل لتصفية فلسطين ارضاً وشعباً دون أن تجد من يعترض على ممارساتها باعتبار أن الكل مشغول بإيران.
لا أدري هل نسى بن سلمان وهو القائد الفعلي للمملكة، وهو ويقود الدول العربية لعداء ايران، أن السعودية
لم تنته بعد من مشاريعها التوسعية التي بدأتها منذ اكثر من عامين، فحرب اليمن لم تضع اوزارها بعد، لتبدأ جولة جديدة من افتعال أزمة مع قطر وحصارها، وبرغم أن الجبهتين اللتين فتحمها بن سلمان لم تؤتيان ثمارهما بعد، إلا أنه أشاح بوجهه تجاه دولة لبنان، وهذه ثاني اهانة لدولة لبنان قيادة وحكومة وشعباً بعدما تم احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض وإجباره على الاستقالة من هناك، على اعتبار أن رئيس وزرائها قد تم صناعته في دواليب الرياض، وسينفذ لها ما تريد ضد حزب الله.
لكن وبرغم شدة التحريض الامريكي للعرب على ايران، فإن أمريكا لن تنفعل وتسمح بنشوء حرب عسكرية مع ايران، لأن أمريكا تهدف من خلال خلق ساحات الحرب إلى زيادة السيطرة بكل تفرعاتها، وتنشيط تجارة السلاح ، وبما أن هذه السيطرة والتجارة يمكن تفعيلها وتنشيطها من خلال شحن نفوس العرب تجاه ايران ، دون جر المنطقة للحرب ، فلا مانع من السير في هذه الطريق، خاصة أن أمريكا لا تعدم القوة التي تستطيع بها القضاء على ايران ، لكنها لا ترغب بخسائر بشرية جديدة، لأن تجربة أمريكا في العراق لا زالت حاضرة في أروقة السياسة الأمريكية بكل مستوياتها ، وهنا نصل لنتيجة مفادها أن امريكا تستخدم ادواتها وعبيدها لتخيف بهم معارضيها، لتحقيق قصى فائدة ممكنة في كل المجالات.