برز مؤخرا مصطلح جديد في عالم السياسة، ألا وهو مصطلح "التريث"، الذي أطلقه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في أعقاب عودته إلى لبنان والتراجع عن استقالته أو "التريث، وهو ما يوصف بأنه حلا وسطا، فهو من جهة لا يغضب السعودية، ومن جهة أخرى يبقيه في مقعده وإن كان في حالة مراوحة في المكان، فلا هو رئيس وزراء مستقيل، ولا هو رئيس وزراء يمارس مهامه، بل هو رئيس وزراء ولكن في حالة تريث.
حالة التريث التي فرضتها حالة الفوضى التي تشهدها المنطقة العربية، وجدت على ما يبدوا طريقها إلى التطبيق لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تعامله مع هجوم المصالحة الذي تمارسه حركة حماس، ما شكل له حالة مربكة من الحرج ليس أمام شعبه فقط، بل وضعته في حالة حرج أمام الحلفاء ذاتهم الذين مارسوا الضغوط على سعد الحريري للاستقالة، ومارسوا الضغوط عليه كي لا يستجيب للمصالحة مع حماس ودمجها في المؤسسات الوطنية الفلسطينية.
فرغم التنازلات المحرجة التي قدمتها حماس في ملف المصالحة ليس بشهادة جميع القوى والفصائل الفلسطينية فحسب، بل بشهادة الراعي المصري، فإن عباس وعلى ما يبدوا ليس في وارد القيام بانقلاب في الموقف على السعودية التي رفعت منسوب دعمها الشهري لموازنة السلطة إلى 20 مليون دولار شهريا، كما أنه ليس لديه ترف الخيار بإغضاب الراعي المصري للمصالحة.
حالة التريث هذه انعكست على نتيجة اللقاء الأخير للفصائل الفلسطينية في القاهرة يومي 21 و22 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، ببيانٍ ختامي باهت كما وصفه القيادي في حماس صلاح البردويل، يخلو من أية التزاماتٍ محددةٍ على مختلف الأطراف.
شجرة "التمكين" التي صعدت عليها حركة فتح والتي باتت تمثل مسمار جحا للنكوص عن تطبيق طقوس المصالحة، وجدت ترجمة لها في التصريحات الشاذة لقيادات فتح في اعقاب اجتماع اللجنة المركزية لفتح يوم أمس.
الحكومة المصرية قرأت على ما يبدوا خارطة الارادات المتعارضة في المنطقة، فقررت ممارسة حرق الوقت، وقرّرت أن ترسل وفدًا من المخابرات إلى قطاع غزة، لمراقبة تمكين الحكومة وتسليم المعابر.
دمج حماس في المؤسسات الوطنية الفلسطينية مثل منظمة التحرير والمجلس الوطني قد يقوي موقف حماس ويعلي صوتها المعارض لخطة التطبيع السعودية مع "إسرائيل" لذا فمن غير المحتمل أن ترفع السعودية الفيتو عن حماس ما لم تقدم تنازلات تجاه تسليم سلاحها والابتعاد عن المحور الإيراني.
صرح الرئيس عباس في الأمم المتحدة في سبتمبر أيلول الماضي، إنه لم يعد بإمكان السلطة الفلسطينية الاستمرار "سلطة من دون سلطة" في الضفة الغربية. لكن يبدو أن ما تتنازل عنه السلطة في الضفة تريده كاملا في غزة كالملف الأمني والسلاح الواحد.
الرئيس عباس وفي أعقاب زيارته الأخيرة للمملكة السعودية، يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه.
فهو من جهة أمام عرض سعودي باستعدادها لدفع فاتورة المصالحة الفلسطينية، بشرط القبول بالصفقة السياسية التي يحضر لها ترامب مع الرياض، إضافة لتحييد إيران عن الساحة الفلسطينية، وإبعاد حماس عن حزب الله.
ومن جهة أخرى يواجه خطر يهدد مقعده في رئاسة السلطة حسب التسريبات العبرية.
ومن جانب آخر يواجه ضغوط أمريكية بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وربطه بالمساعدات الاقتصادية المقدمة للسلطة.
لذا فالرئيس عباس يمارس حالة "التريث" أملا أن تنجب التغيرات الإقليمية المتسارعة مخرج من الضغوط الخارجية لإنهاء منصبه.
فهل سيضحي الرئيس بالمنصب حفاظا على القضية وإنقاذا للشعب المحاصر في عزة أم سيضحي بالشعب والقضية كرمال المنصب..!!.