قائمة الموقع

"أبو المواسم".. العامود الفقري للفلاحين الفلسطينيين

2017-11-30T07:18:12+02:00
صورة أرشيفية
الرسالة نت-ياسمين عنبر

ما إن يقترب فصل الشتاء حتى يسارع المزارعون الفلسطينيون في القرى الزراعية ببناء "قصة" مرتفعة عن الأرض بقدر متر واحد من الحجر بجانب بيوتهم الصيفية، ويرصفونها ويفرشونها بالحصى الصغير والتراب، استعدادًا لوضع التين والعنب عليها لتجفيفه وتحويله إلى قطين وزبيب، صانعين بذلك ما يسمى "المسطاح" استعداداً لفصل الشتاء الذي يعد العامود الفقري لهم، لأهميته في عملهم ما جعل الأجداد يطلقون عليه "أبو المواسم".

"الشتاء فرحة الفلاح الفلسطيني"، بهذه العبارة استهل حمزة ديرية "العقرباوي" حديثه مع "الرسالة" وهو حكواتي وباحث في التراث الفلسطيني، حين طلبت "الرسالة" منه تتبع تقويم الفلاحين الفلسطينيين بحسب الرزنامة الخاصة بهم المرتبطة بالطقس والأعياد وأيام الفلاحة.

فهو يرى أن معرفة الإرث الشعبي المتعلق بحياة الفلسطينيين اليومية وما اتصل بأيامهم من مُعتقدات ومرويات وأمثال وحكايات أمرٌ مهم وضروري، ويقول: "ومن ذلك تقويمهم الشعبي الذي يبدأ من "شتوة المساطيح" في بداية الخريف ثم فصل الشتاء فالربيع وأخيراً الصيف".

                               رزنامة الفلاح الفلسطيني

وشتوة المساطيح هي بداية تقويم الفلاحين الفلسطينيين كما يحكي "ديرية"، وهي شتوة صغيرة تكون نُقطًا أحياناً، لذا تسمى "شتوة النقط" أو "شتوة الصليب" حيث تأتي بعد عيد الصليب في 27 أيلول، بعد أن يكون الزيتون قد نضج وصلبت حبته وأصبح صالحًا للتخليل، ويضيف: "وسميت بشتوة المساطيح نسبة إلى مسطاح التين لأنها تنزل والفلاحون في البيوت الصيفية وتينهم المجفف لا يزال على المسطاح".

يضحك "العقرباوي" حين يخبر "الرسالة" أنها تسمى أيضًا "منبه الرعنات"، وعن ذلك يحكي: "سميت هكذا لأنها تنبه المرأة الكسولة التي تأخرت عن إصلاح البيت وتطيينه ودهنه بالشيد وصبغه بنبات الطيون ذي الرائحة العطرية، تلك المهنة التي تنفذها النساء بالعادة قبل شتوة المساطيح، فتنزل للبيوت وتصلحها استعداداً لاستقبال أهلها الذين ارتحلوا عنها في موسم الربيع وسكنوا ببيوتهم الصيفية في كرومهم العامرة بالخيرات".

وبعد هذه الشتوة لا مجال لتسطيح التين، فكل فلاح يمسك تينه حتى يبيعه، أو يخزنه ليأكله في الشتاء، يقول ديرية بلهجته الفلاحية: "المثل بيقول اللي في جيبه قطين بوكل في ايديه الثنتين".

"اللي ما بزرع في الشتوية بشحد في الصيف" يقول ديرية، حيث يسارع الفلاحون لتنظيف الآبار وتجهيزها لجمع مياه الأمطار، ويحرصون على تجهيز المأكولات وخزنها في "الخوابي" وجرار الفخار استعداداً لأيام الشتاء التي تهل بالمطر والبرد الشديد، وكل موسمهم مرتبط بالأمطار.

وتظهر أهمية فصل الشتاء عند الفلاحين حين يتأخر المطر فتراهم يسارعون للاستسقاء و"شحدة" المطر ويبتهلون إلى الله بأدعيتهم وأغانيهم، مُستحضرين فقرهم وجوعهم وحاجتهم لهذا المطر، ومضى يقول: "هناك طقوس شعبية كانت سائدة لأجل طلب المطر عُرفت باسم التشريب"، وراح ينشد بعضًا من أهازيج الاستسقاء الشعبي: "يا ربي شتا ومطر .. تا نسقي الخيل والبقر.. يا ربي رشه رشه .. تا نسقي زرع الحجه..يا ربي بـله بلـه .. واحنـا تحت بالقـلـه..يا ربي نقطه نقطه .. تا نسـقي حلق القطه".

يكمل "ديرية" تتبعه للتقويم الفلاحي الفلسطيني، قائلاً لـ"الرسالة": " حين ينتهي موسم التين والعنب بعد شتوة المساطيح، يسعد الفلاحون لاستقبال أمطار تشرين، فالمثل يقول "اللي ما شبع من العنب والتين بشبع من ميّة تشرين"، وراح يتحدث عن عيد لد ومطرة الوسم الوخري.

وفي السادس عشر من نوفمبر كل عام، يكون الفلاحون الفلسطينيون على موعد مع مطرة يسمونها "عيد لد" وهو يوم فارق في الفلاحة الفلسطينية، ومن مواقيت البذار ويمتد في مرحلته الثانية حتى عيد بربارة في نهاية الخريف، إذ يعتبر انتهاء مرحلة في الزراعة وبدء أخرى، وسمي هكذا لأنه يعتبر عيدًا شعبيًا يقام في مدينة اللد، "في عيد لد احرث وشد" يحكي.

ويتابع "ديرية": "مطرة الوسم الوخري تكون خلال 15 يومًا بعد عيد لد" وسميت الوسم لأنها تسم الأرض وتكون علامة فارقة فيها، ويضيف: "تسمى أيضاً "وسم الحرامي"، أو "وسم الضيف"، ذلك أنها تأتي على عجل وكذا تُغادر، ولا تستمر لأكثر من ثلاثة أيام وثلث، وهي مدة إقامة الضيف المعلومة عند العرب، وهذه الأمطار ليس لها وقت محدد فهي تأتي كالضيف على حين غفلة وتغادر بخفة وسرعة كأنها لص".

اخبار ذات صلة