المعاقون.. بين الدلال والإهمال

الرسالة نت-مها شهوان

فور سماع أسماء عبد الرحيم- 19 عاما- صوت مولودها البكر الذي انتظرته بعد تسع شهور غمرتها السعادة وعلت وجهها الابتسامة، وطلبت من والدتها تقريب الطفل إليها، لكن الأخيرة بعد لحظات من التردد نفذت طلب ابنتها التي ما أن رأته حتى أصبيت بصدمة كادت تفقدها وعيها لوجود بعض التشوهات الخلقية في رأس ابنها.

رفضت أسماء أن ترضع مولودها أسبوعاً كاملاً، فهي لم تكن تتوقع أن تكلل فرحتها باستقبال مولودها المنتظر بإعاقة ستلازمه مدى الحياة.

تقول أسماء بعد سنتين من إنجابها: في البداية لم أتقبل طفلي ، لكن بفضل الله وأهلي احتسبته عند الله وشكرته على هذا البلاء"، مضيفة:أنجبت بعد ذلك طفلا معافى ولم افرق بالمعاملة بينهما.

آثرت "الرسالة نت" أن تلقي الضوء على تلك الحالات للتعرف على كيفية رعاية الطفل المعاق من قبل أسرته،  بالإضافة لحكم الشريعة الإسلامية في معاملة المعاق وأجر أهله .

قصص خيالية

وفي مشهد آخر وسط شوارع شرق غزة يجري الأطفال ويقذفون شابا ثلاثيني بالحجارة  اسمر البشرة ناعم الشعر مرتديا بنطالا ممزقا وينتعل حذاءا بلاستيكيا بالكاد يصلح للمشي.  "الرسالة" التقت أحد أبناء الحي ليروى قصته الطفل قائلا:" ولد معافاً إلى أن أصابته صدمة في السابعة عشر من عمره، ولم يهتم ذويه لأمره بالرغم من كونهم من أصحاب الشهادات ورؤوس الأموال، مضيفا:حاولنا كثيرا الحديث مع والده وإخوته لكنهم لم يبدؤا اهتمام.

وفي حكاية أخرى من يستمع إليها يظنها خيالاً، الطفل ياسر.م -14 عاما- ولد مصاب بمتلازمة داون"منغولي" فبحكم المنطقة التي يعيشها ذويه لم يلقى اهتماما وذلك لأن الجهل يسود المنطقة رغم توفر الأموال .

فحينما ولد ياسر لم يكن يعامل من قبل ذويه كباقي أقرانه وحينما تجاوز العامين كان يذهب ذويه لحراثة الأرض ويربطونه في الشباك بجانب الكلب الذي كان يؤنس وحدته إلى أن بلغ الثامنة من عمره.

الأخصائية منى عمر روت كيفية عثور مؤسستها على الطفل ياسر قائلة:" قمنا بعملية مسح لمعرفة عدد المصابين بمتلازمة داون في غزة ، وأثناء سيرنا عبر المزارع سمعنا أصواتا غريبة وبمجرد الاقتراب وجدنا طفلا مربوطا بحبل بجانب الكلب حينما رآنا بدا ينبح "،مضيفة: بعد محاولات عديدة تمكنا من إقناع ذويه بإلحاق ابنهم بالمؤسسة ليعيش كباقي الأشخاص إلى أن تحقق ذلك حتى تحسنت صحته وبدأ يتحدث ويدرك أشياء كثيرة.

مولود أصم

ومن أحد القصص التي قابلتها "الرسالة" الكفيفة حنان سليم-16 عاما- والتي روت حكايتها بكل جرأة قائلة:"بالرغم من فقداني لبصري إلا أنني أحمد الله على ما ابتلاني فثقتي بنفسي تزداد يوما بعد يوم ، لاسيما وأنني حفظت القران الكريم وعرفت اجر هذا الابتلاء"، موضحة أن عائلتها ساعدتها على تخطي محنتها من خلال معاملتهم لها كشخص طبيعي في العائلة.

وتمنت حنان أن تلتحق بالجامعة لتدرس الصحافة وذلك لترسل رسالة المكفوفين للعالم أجمع وتؤكد بأنهم قادرين على أن يحققوا ما يريدون.

أما حكاية الأربعينية ختام فكانت تختلف عن سابقيها فقد وضعت مولودا مؤخرا وكان أصم مما أصاب عائلتها بأزمة نفسية أثرت على حياتهم لفترة من الوقت.

استقبلت ختام "الرسالة" وهي تضع طفلها ياسر ذو العام الواحد بين يديها وتقول:"حينما ولد طفلي لم يكن يصرخ كباقي الأطفال، فقد كان كثير النوم قليل البكاء مما جعلني اشك بالأمر وأتوجه إلى العديد من الأطباء الذين أكدوا لي بأنه أصم وأصبت حينها بصدمة جعلتني ضريحه الفراش لمدة شهر كامل "، مشيرة إلى أنها وعائلتها لم يكونوا يطيقون الجلوس بمفردهم بالبيت بل كانوا بحاجة إلى من يؤنس شدتهم التي يمرون بها.

وأضافت بعدما غرق ياسر في نوم عميق:" وقف إلى جانبي أبناء الحلال حتى تمكنت من تقبل فكرة وجود طفل معاق بيننا ".

التأهيل نفسيا

وفيما يتعلق بكفيفة معاملة الطفل المعاق، يقول أستاذ علم النفس بالجامعة الإسلامية بغزة أنور العبادسة: لابد أن تعطي الأسرة لابنها المعاق الحب والحنان ليشعر بأنه فرد طبيعي في العائلة "، مشيرا إلى أن عملية دمجه بالمجتمع تعتمد على نوع إعاقته وتوفر الإمكانات اللازمة لدمجه.

ولفت إلى أن تعامل الأهل مع أبنائهم المعاقين يحتاج لدرجة عالية من الوعي والإيمان وتفهم حاجاتهم ، داعيا أولياء الأمور إلى تقبل إعاقة أبنائهم بعيدا عن الشعور بالخزي والعار والخجل ، موضحا في الوقت ذاته أن مجتمعنا الفلسطيني حاض لأبنائه المعاقين.

وأوضح العبادسة أن الطفل المعاق حينما يشعر بأنه منبوذ وغير مرغوب به بين عائلته ومجتمعه سيؤثر ذلك كثيرا على نفسيته .

وبخصوص تأهيل عوائل المعاقين نفسياً، لفت العبادسة إلى وجود أكثر من طريقة في مجال الإرشاد النفسي كالرضا والصبر والاحتساب على الابتلاء، بالإضافة إلى تأهيلهم نفسيا لتقبل الإعاقة والتعامل معها، مشيرا إلى وجود التأهيل الوظيفي والفني للتعامل مع المعاق ومساعدته على تجاوز مشكلته.

وبشان الافراط أو الإهمال الزاد في معاملة المعاقين، أكد الأخصائي النفسي أن التعامل المتوازن هو المطلوب لأن الإهمال والدلال المفرط نتائجه سلبية،  مطالباً بتحميل الطفل المعاق المسئولية ليستطيع إعالة نفسه والاستقلال بحياته وهذا لا يأتي إلا من خلال التوازن.

الاهتمام بحالتهم الصحية

وعن رأي الشريعة التقت "الرسالة" نسيم ياسين أستاذ أصول الشريعة "بالإسلامية"  قائلا:" حث الإسلام على رعاية الأبناء وتربيتهم تربية سليمة منذ الطفولة ، ليغدوا شبابا ومنهم الأبناء ذوو الاحتياجات الخاصة الذي يجب على الأهالي رعايتهم معنويا ونفسيا "،مضيفا: الإعاقة هي قدر الله وابتلاء للأهالي لذلك يجب عليهم رعايتهم بشكل خاص .

وتابع ياسين: لا يجوز إهمال الأبناء وتركهم في الشوارع سواء كانوا معاقين ذهنيا أو حركيا، فالله سبحانه وتعالي سيسألهم عنهم يوم القيامة .

وطالب بمعاملة الأبناء المعاقين معاملة حسنة والاهتمام بحالتهم الصحية وعدم حبسهم كالحيوانات، داعيا الأهالي إلى ضرورة وضع أبنائهم في مدارس خاصة لاستيعابهم وتأهيلهم للتطوير من قدراتهم .

وبحسب ياسين فإن وجود طفل معاق داخل الأسرة هو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لذلك يجب على الأهالي عدم الشعور بالخزي من وجودهم بل يفتخرون بذلك ،مشيرا إلى ضرورة أن يرضى الإنسان بالقدر الذي قدره له رب العالمين .

وفي الختام تبقى نظرة المجتمع للطفل المعاق داخل الأسرة بين الرفض والقبول حسب نوع إعاقته مما سيؤثر على نفسيته.

 

البث المباشر