“الفلسطينيون شعراء بالفطرة” هكذا يقولون، مبررين ذلك بأن ما يلاقيه الفلسطينيون لا يسمح بغير طلاقة اللسان وحسن استخدام اللفظ وجمال التعبير، فيستطيعون أن يحكوا ما رأوه وعانوا منه بدقة، وهو نفس منطق “يولد الإبداع من رحم المعاناة” تقريبًا، فأكثر من 60 عامًا من النكبة لا بد أن تولّد مرارة يكون نتيجتها نصوص مبدعة قادرة على إيصال بعض مما لاقاه مئات الآلاف.
ولم يكن أدب المقاومة بالحديث على العرب، فالشعر العربي القديم يحتوي على كثير من نصوص الحماسة وتشجيع الجند على القتال والحث على الاستبسال في الدفاع عن الأرض والعرض، لكن بلا شك فإن أدب المقاومة قد اكتسب بعدًا جديدًا بعد النكبة الفلسطينة، بعدًا إنسانيًّا متأثرًا بقصص آلاف الفلسطينيين في الشتات، وبطول زمن الاحتلال.
وهنا نعرض بعضا من روايات المقاومة
1- رجال في الشمس – غسان كنفاني
“لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟”
أصبحت تلك الجملة من بعد رواية غسان الكنفاني (رجال في الشمس) أحد النصوص العربية المحفورة في الأذهان، حيث إن الفلسطينيين الثلاثة “أبطال الرواية” يموتون داخل خزان السيارة التي لم يحاولوا الهرب منها، لكنهم ظلوا بداخلها دون مقاومة ولو برفع الصوت وطرق الخزان.
الرواية تعبر جيدًا عن نفسية الفلسطينيين من بعد الشتات، ورغم صغر عدد صفحاتها التي لا تبلغ الـ 100 فإنها تحتوي على ألم ومرارة سنين.
2- الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس “المتشائل” – إميل حبيبي
“أقوم في الصباح من نومي فأحمده على أنه لم يقبضني في المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن الأكره منه لم يقع، فأيهما أنا: المتشائم أم المتفائل؟”.
رواية فلسطينية أخرى محملة أكثر ما يكون بالفارقات، ويظهر ذلك من عنوان الرواية قبل كل شيء، في كلمة “المتشائل” والتي هي دمج بين التفاؤل والتشاؤم. الرواية تجمع بين تناقضات الواقع، والبعد التاريخي الملحمي، وحث الدعابة في النصوص العربية التراثية.
يحكي إميل حبيبي في روايته عن الفلسطينيين داخل أراضي الاحتلال في فترة الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على العرب. لكن ليس بحس غاضب أو حماسي إنما بحس الكوميديا السوداء.
3- طال الشتات – مريد البرغوثي
“قل إنني البنت الجموحة أفلتت من سجنها القَبَليّ تُدمي كفَّها أقفالُهُ وسلاسلُهْ
قل إنني سأموت دون مداخل الوطن الذي تعطى الحجارةَ والصغارَ مشاتلُهْ
قل إنني بحرٌ تتالى فيه غرقاهُ الكثارُ وما بدتْ للمبحرينَ سواحِلُهْ
قل إنني المجنونُ، أبصرُ موتَ حلمٍ رائعٍ وأواصلُهْ”
التحق مريد البرغوثي بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1967، وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها، وقد يكون ذلك هو المؤثر الرئيس في طبيعة كتابات البرغوثي عن فلسطين والشتات، فأشهر أعمال الرجل هي “رأيت رام الله” والتي يحكي فيها مذكراته مع الشتات، إلا أن واحدًا من أبرز وأجمل أعماله الشعرية عن فلسطين وأزمة الشتات هو ديوان “طال الشتات”.
4- الطنطورية – رضوى عاشور
كتبت رضوى عن نضال جيل الطلبة المصريين في الستينات والسبعينات، وكتبت عن مشاهداتها خلال رحلة تعليمها في أمريكا “الرحلة: أيام طالبة مصرية في أميركا”، ثم كتبت أشهر أعمالها “ثلاثية غرناطة” عن الأندلس وفقد المسلمين لها، ومن كثرة ما كانت تنعكس المشاهد الفلسطينية في ذهن القراء وهم يقرأون عن الأندلس وغرناطة، كان انتظار واشتياق الكثيرين للعمل الأدبي الذي ستكتبه رضوى عاشور عن فلسطين. خاصة وهي زوجة الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، ووالدة الشاعر تميم البرغوثي.
إلى أن جاءت 2010 وصدرت الطنطورية، حيث تلك الرواية الخلابة التي تحكي قصة الزمان والمكان في المقام الأول، ثم في المقام الثاني تحكي عن بطلة الرواية المولودة في قرية الطنطورية الفلسطينية من سن 12 عامًا وحتى الشيخوخة، والشاهدة على الملحمة الفلسطينية بالكامل.
المصدر: ساسة بوست