يتمرن المواطن أبو عاطف بائع "الكلور" على عمليات الإخلاء السريع للمنزل مع زوجته وأبنائه ويعتمد على قوة صوته للصراخ بدل صافرة الإنذار ليدفع أفراد أسرته إلى اتخاذ الخطوات والتكتيكات اللازمة عند وقوع قصف جوي أو مدفعي، أو توغل بري.
أبو عاطف صاحب بصمة صوت مميزة في حارته، حيث اعتاد أهالي الحارة الاستيقاظ على ندائه: كلور أبو عاطف وصل"، لكنه جمد أعماله مؤخرا وتفرغ لمناورات الجبهة الداخلية في بيته.
ولا تزال أم عاطف تكتسيها الدهشة من إصرار أبو عاطف على إجبارهم للقيام يوميا بتمارين رياضية لا تخلو من العنف، غايتها تهيأتهم جسمانيا لمواجهة أي عدوان جديد، ولصعوبتها فقد أصيب أبو عاطف وزوجته بالرضوض والكدمات والجروح.
وكلما حاولت أم عاطف أن تلغي فكرة الحرب التي تسكن عقل أبو عاطف وتستحوذ على تفكيره يرد عليها بحدة قائلا: اسكتي يا مرة، الدنيا على كف عفريت... لا مصالحة ماشية، ولا هدنة باقية... العرب صاروا عربين، واليهود ما راح يصبروا علينا".
أبو عاطف المنهمك بتعبئة الأكياس بالرمل وتوزيعها على الشبابيك كسواتر ترابية، لا يتوقف عن الاستماع إلى ما يقدمه مذياعه من نشرات أخبار، وتلتقط حواسه كل إشارة من التحليلات التي تشي بمواجهة قادمة حتى بات مثل بعض الحيوانات التي تتنبأ بالزلازل والفيضانات والكوارث قبل وقوعها... وهكذا يستشعر أبو عاطف العدوان بمناورات عائلية كبعض الأفعال التي تقوم بها الحيوانات قبل الزلازل مثل: الأسماك تقفز من المياه، والقطط تغادر البيوت إلى العراء، والأرانب تضرب رؤوسها فيما حولها.
كما أن أبو عاطف لم يعد يتفاعل مع تصريحات القيادات السياسية سواء فصائلية أو سلطوية، ويجادل زوجته التي اعتادت الدعاء بأن يفرجها الله بالمصالحة، فيرد بسخرية: "بكرة راح تكتشفي إنه ربنا كان فارجها ونحن جاهلين"... ويضيف: الجماعة يتصالحوا في الليل ويختلفوا الصبح..."كلام الليل مدهون بزبدة".
ولأن أبو عاطف أكثر من يفتي ويحلل في السياسة في الحارة يسأله جيرانه في الأيام الأخيرة: وين الأمور متجهة يا أبو عاطف؟ فيجبيهم بثقة: "إذا ما حلينا مع بعض، وصحصحنا، راح نلبس في الحيط".