لم تغب صورة الثائرة عهد التميمي حينما تحدت جنديًا إسرائيليًا بقبضة يديها وهي بعمر الحادية عشر، فهي دوماً حاضرة في المظاهرات الشعبية والمواجهات ضد الاحتلال الذي ينتهك حرمة قريتها النبي صالح، فتخرج ثائرة برفقة أقرانها لمواجهته بالحجر وصوتهم العالي.
ومن جديد، تصدرت صورة الثائرة "التميمي" ذات الستة عشر ربيعاً وسائل الإعلام وهي تهاجم جنديًا إسرائيليًا لتحرير شقيقها أثناء محاولة جيش الاحتلال اعتقاله، ثم لحقتها صورة أخرى لها وهي تضرب جندياً لتثأر لطفلٍ ما يزال يرقد على سرير المشفى بعدما أصابه عيار معدني مغلّف بالمطاط مخترقاً دماغه؛ ما أدى إلى فُقدانه الوعي منذ جمعة الغضب الثانية وحتى اليوم.
تكررت تلك الحوادث، فأصبحت صورها تتصدر الصحف الفلسطينية لشجاعتها، وحصدت جائزة "حنظلة للشجاعة" عام 2012 من بلدية باشاك شهير في اسطنبول لشجاعتها في تحدي جيش الاحتلال الإسرائيلي.
واعتادت "التميمي" الخروج أسبوعيًا مع عائلتها في مسيرات قريتها الرافضة للمستوطنات ووجود المحتلين فيها.
ولأول مرة اعتقلت "عهد" ليلة الثلاثاء الماضي عند اقتحام جنود الاحتلال لبيتها وتفتيشه ومصادرة الأجهزة الإلكترونية منه، حيث جاء الاعتقال بعد أن حاولت الثائرة طرد الجنود من ساحة بيتها أثناء مواجهات في قريتها يوم الجمعة، ووثقت ذلك بفيديو يظهرها وهي تطرد جنديين وتصفعهما على وجهيهما، لعدم اكتراثهما لطلبها بالذهاب بعيدًا عن منزلها، ودفعتهما إلى الخروج من ساحة المنزل.
وتصدر مشهد صفع الجنديين من قبل "التميمي" بعض وسائل الإعلام العبرية، ففي مقابلة مع الوزير الإسرائيلي نفتالي بينيت قال: "عليها أن تقضي حياتها في السجن"، أما ليبرمان وزير جيش (إسرائيل) فقال: "إن مهاجمي الجنود سوف يعتقلون، وتوعد باعتقال جميع أفراد أسرتها".
وحتى شعرها الأشقر المموج وعيناها الزرقاوان لم تسلم من الاحتلال الذي تعمد إخفاء ملامحها عن وسائل الإعلام واكتفوا بظهور كوفيتها، وذلك لمنع أي تضامن دولي إنساني مع ملامحها الطفولية، فكتب بعض الصحفيين الاسرائيليين ذلك علانية، وفق ما ذكره ناصر اللحام المختص في الشأن الإسرائيلي.
وعقب اعتقال الفتاة التميمي من منزلها، اعتُقلت والدتها ناريمان بعدما ذهبت للاطمئنان على ابنتها.
وتنتمي عهد لقرية النبي صالح إحدى القرى الفلسطينية الواقعة شمالي غرب رام الله، وتبلغ مساحتها 3 آلاف دونم، ويسكنها نحو 500 فلسطيني (بالإضافة إلى 100 يسكنون في مناطق أخرى برام الله)، كما يوجد في المهجر ما يقارب 600 فلسطيني من أبناء تلك القرية.
يقول رئيس المجلس القروي، ناجي التميمي لوسائل الاعلام: "إن القرية قاومت الاحتلال منذ بدايته، حيث شاركوا في ثورة عام 1936، وكذلك في الـ1948، وكان في داخل القرية معسكر يُستخدم كمقرٍ للشرطة في أيام بريطانيا والأردن، حيث سيطر الاحتلال عليه، ما هدّد سلامة وحياة وأمن الفلسطينيين هناك".
ويُشير إلى أن القرية تشهد موجات متلاحقة من الاستيطان، ما أدى إلى ردّات فعل من قبل سكانها كغيرهم من الفلسطينيين، وقاوموا بكل ما هو مُتاح أمامهم، حتى بدأت عام 2009 فعاليات مقاومة شعبية منظمة بشكل دائم، آخرها المسيرات الاحتجاجية الرافضة للسياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل".
وأضاف رئيس المجلس القروي: "إن الفتيات شعرن بالخطر، كما أنهنّ غضبن من أجل الطفل محمد فضل الذي أصابته القوات الإسرائيلية برصاصة مطاطية اخترقت دماغه، فكنّ حاقدات على ذاك الاحتلال الذي قد يسلبه حياته أو عافيته فيما بعد".
وتابع:" وسائل الإعلام العبرية خاصة المرتبطة باليمين وقوات الجيش الإسرائيلي أثارت الموضوع أكثر من مرة، معتبرة بأنها إهانة كبيرة للجيش والجنود، ويجب معاقبة كل من اعتدى على الجنديين، لكن الضرر الأكبر كان على عهد بسبب الفيديوهات المنتشرة لها في أحداث سابقة".
ونشرت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية مقالًا بعنوان "بعد كل الحجارة والأنفاق والصواريخ فإن السلاح الأقوى لدى الفلسطينيين هو عهد التميمي".
وجاء في متن المقال "كثيرون في العالم ينظرون اليها بانفعال وتأثر، أنا بشكل شخصي، مقتنع بأن أحدًا ما في لجنة جائزة نوبل للسلام قد حددها من الآن كمرشحة فهم دومًا يبحثون عن قصص لذيذة كهذه".
كما وجاء أيضًا "من المفارقة أن نتبين أنه بعد كل الحجارة، السكاكين والزجاجات الحارقة، العبوات الناسفة والأنفاق والصواريخ - فإن السلاح الأقوى لدى الفلسطينيين هو فتاة داهية ابنة الـ 16".