الباحثة : نبوغ شعبان صيام
طالبة دكتوراه في قسم المناهج - الجامعة الاسلامية
لازالت أيّام خلت تطرق باب ذكرياتي, حاملةً معها أنسام طفولة قضيتها في البلد الحبيب إلى قلبي الجزائر, فمنذ قرابة الثلاثين عاما كنّا نقطن قرية صغيرة هناك , و كنت قد التحقت بإحدى حلقات الكتّاب أحفظ القرآن الكريم. كان الشيخ الكفيف الذي لازلت أحتفظ برائحة حلوى النعناع بين ثنايا ثوبه تداعب أنفي يعطينا تلك الحلوى إذا أتممنا حفظ سورة من قصار السور, أما إذا ما تخّلف أحدنا عن الحفظ فكان معه عصاةٌ رفيعةٌ طويلة يضربنا بها على الرأس ضربات خفيفة ليست موجعة البتّة و إنّما هي للتأديب فقط , و أذكر جيداً كيف كنت أعود دوماً لوالدتي أقرأ لها كلمات بسيطة , فهذه " الكالعة , ما الكالعة" هي ما أذكر أني أجدت حفظه؛ لننتقل بعدها إلى العاصمة و ألتحق بإحدى رياض الأطفال و أتلقى تعليماً مدنياً و ها أنا اليوم أضع بين يديكم موضوع التأديب في الإسلام و بدائل العقاب البدني استقيتها من الهدي النبوي الشريف .
التأديبُ قضيةٌ مفصليةٌ ظهرت في دنيا الناس واستمرت لمدة طويلة وما زالت تشكل ظاهرةً جدليّة بارزة لدى المشتغلين بالتربية وتتضارب فيها الآراء وتتناقضُ الأفهام حيث يجب العودة إلى التراث الذي يعد مكوناً أثيراً من مكونات الأمم قاطبة، وهو وعاء لمخزون الخبرات الواسعة والمتراكمة التي تربط الأمس باليوم؛ لتصافح الغد وتشكل قسماته, وقبل أن يسهم التراث بالنصيب الأوفر في تشكيل شخصية الأفراد فإنه يتبوأ مكانه في عوالم الأفكار الراسخة في وعي وضمير الأمم الحية , و لقد استحوذت مسألة ضرب الطفل وتأديبه على أذهان المربين مند زمن بعيد, وزاد الجدل في هذا أن وُسم الإسلام بصبغة الإرهاب وما جاءت هذه الكلمات إلاّ لتدفع عن الإسلام تلك الوصمة, و لنعرض نماذج مشرّفة من صاحب الرسالة الخالدة محمّد بن عبد الله صلىّ الله عليه و على آله و سلم .
تعريف التأديب:
التأديب في اللغة يعني التهذيب والمجازاة ، والتأديب في معناه الاصطلاحي يميل إلى الجانب الخلقي من التربية. أما إثـابــة المـحـسـن عـلى إحـسـانه، وعقاب المسيء على إساءته مبدأ إسلامي أصيل لقوله تعالى: }هـَـلْ جَـزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ{ [ الرحمن:60] ، وقوله جل من قائل : }وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا{[ الشورى:40].
و فَطَرَ الله الإنسان على حبِّ المثوبة، وما فيها من لذَّة ونعيم؛ فإنه يَرْغَب في ذلك ويعمل من أجل تحقيقه، كما فطره - أيضًا - على بُغض العقاب، وما يَتَرَتَّب عليه من أَلَم وشقاء، فإنه يرهبه وينفر منه. ولهذا عُنِي القرآن الكريم والسنة النبوية بالترغيب والترهيب، كأسلوب مهمٍّ من أساليب التربية. "يعتبر أسلوب الثواب والعقاب والتوبة من الأساليب الطبيعية التي تستند إليها التربية في كل مكان وزمان . فهذا الأسلوب يتماشى مع طبيعة الإنسان حيثما كان ، وأياً كان جنسه أو لونه أو عقيدته"( أبو دف.1999:7).
لا تزال صورة المعلم النمطيّة مرتبطة في أذهاننا بالعصا التي يحملها و هو بذلك يمثل رمزاً للسلطة التربوية في المدارس سواء في العهد القديم أو الحديث "وكان مطبقاً في بعض الدول العربية ما يعرف في الدرّة المدرسية بالموجه الدي يرتبط في أذهان الطلاب بداية إنه رجل يحمل العصا صارم قوي الشخصية"( حمودي:5) فهل كان محمداً يحمل العصا و هو يجوب الأسواق بين الناس يدعوهم للخير أو يصحح أخطاؤهم؟
لقد قدّم الاسلام الرفق على الشدّة عملاً بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " إن الـرفــق لا يكـــون فـي شــيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" (النعيمي:40). وعـــن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا عائشة! إن الله رفيقٌ يحبّ الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه" (أبو سليمان : 123).
ونـجــــد من بين التربويين الأوائل الذين تكلموا في هذا الموضوع: الإمام الفقيه محمـد بن سحنون (ت 256هـ)، وأبا الحسن القابسي (ت 324 هـ)، وابن الجزار القيرواني الطبيب (ت 369هـ)، والغزالي (ت 505 هـ)، وبرهان الدين الزرنوجي (ت 640 هـ)، وابن جماعة الكناني (ت 733هـ) وابن خلدون (ت 808 هـ) وغيرهم.
خطوات التأديب في التربية الاسلامية:
- تجاهل خطأ الطفل في البداية :
يتم في هذه المرحلة تجاهل خطأ الطفل مع حسن الإشارة والتلميح دون المواجهة والتصريح ، وذلك حتى يعطى الفرصة لمراجعة سلوكه ويصحح خطأه ، وحتى لا نلفت نظره بشدة إلى الخطأ ، فربما استمر عليه عناداً وإصراراً.
2)عتاب الطفل سراً :
وهذه مرحلة تالية ؛ فبعد السقطة الأولى التي نكتفي فيها بالتلميح تأتي مرحلة التوبيخ والتصريح سراً ، على ألا نكثر من ذلك حتى لا تسقط هيبة المربي في نفس الطفل .. ومن توجيهات علماء التربية في هذا الباب " لا تكثروا القول عليهم بالعتاب في كل حين ، فإنه يهون عليهم سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبهم"(عفيفي.1998:22).
3) الحِرْمان منَ التشجيع:
من وسائل العقاب التي أرشدت إليها السنة النبوية: الحِرْمان منَ التشجيع؛ حيث يعمد المربِّي إلى حرمان مَن يعاقبه مما كان قد عوَّده من تشجيع، أو مدح، أو ثناء، وما شابه ذلك؛ يدل لهذا من سنته - صلى الله عليه وسلم - ما ترويه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك من موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها حين مرضتْ، وأنه لم يكن يزيد على قوله: "كيف تِيكُم؟"( زيعور: 10)، دون أن ترى منه - صلى الله عليه وسلم - ما كانت تراه من اللُّطْف الذي كانتْ تعرفه منه حين تمْرض. وبهذه الطريقة في المعامَلة يضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمام المربِّين وسيلة من وسائل العقاب التربوي، قد تكون من أجدى أنواع العقوبات التي يُمكن أن يعاقب بها الطفل، وأكثرها ملاءمة لنفسيته في المراحل الأولى من دراسته( مدن :129).
4) الإعراض والمقاطعة:
ويعتبر الإيحاش والإعراض والترك أقل درجــــات العقوبة المعنوية؛ فالمعلم قد يلحظ على المتعلم ملحظاً أو يرى منه تصرفاً غير لائق؛ ولكنه يُعرض عنه ويتغافل عنه ولا يعنفه أو يشتد عليه في العقوبة؛ ربما لأن الصبي قام بهذا السلوك مرة واحدة فيعفو عنه، أو لأنه كان يتوقع أن ما قام به يعتبر لائقاً وينتظر عليه مـكـافــأة من المعلم ولو في صورة مدح أو بشاشة وجه أو اهتمام به، فيعرض المعلم عنه ويبدي له نوعاً من الإيحاش وعدم البشاشة. وقد أشار الغزالي إلى هذا الأسلوب بقوله: "فإن خالف ذلك (أي: أتى فعلاً غير محمود أو تخلق بخلق غير جميل) في بعض الأحوال مرة واحدة فـيـنـبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه"(السبكي:21).
وقد لجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الأسلوب في عقابه للثلاثة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوك؛ حيث أَمَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابته ألاَّ يكلِّموهم، فجرت المقاطعة بين المسلمين وبين هؤلاء الثلاثة؛ حتى ضاقت عليهم أنفسهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 117 - 118].
وهذا يدل على أن مؤدب الناشِئِين يحق له - بل يجب عليه أحيانًا - أن يَحرم المخطئين من مُعاشَرة زملائهم فترة من الزَّمَن؛ عقوبة وردعًا لهم، حتى يشعر بندمهم وتوبتهم ورجوعهم إلى الصواب، أو يأخذ عليهم العهْد بذلك، شريطة أن يعرفوا أخطاءهم، وسبب إنزال هذه العقوبة بهم، وأن يتوسَّم فيهم الاستفادة من هذه العقوبة(فارس: 345)
5) الذم والتوبيخ والترهيب:
إذا لم ينفع مع الصبي أسلوب الإيحاش والإعراض والترك يلجأ المعلم إلى أسلوب أشد في العقوبة المعنويـة وهو أسلوب الذم والتوبيخ .
كذلك أشار الغزالي إلى أن الصبي إذا نُهي عن التخلق بسيئ الأخلاق فلم ينته، ولم ينفع معه أسلوب الإيحاش والإعراض والترك فينبغي أن يعاقب سراً ويعظم الأمر فيه؛ فيقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يُطّلع عليك في مثل هذا فتُفتضح بين الناس (الأصفهاني:1872).
هدي الرسول في تأديب أتباعه:
انطلاقا من القاعدة الشرعية } و لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة يا أولي الألباب{, و لأنه المعلم الأول و صاحب الرسالة العصماء , و لأنه الرجل الذي لم ينطق عن الهوى فلقد وصفته أم المؤمنين عائشة بقولها " كان خلقه القرآن" و لأن العمل بخلقه الكريم مدعاة لحب الله و رضوانه وجب علينا استحضار بعض الأساليب التي اتبعها رسول الرحمة مع أصحابه اذا ما اقترفوا خطأً ما.
فمن هَدْي النَّبي صلى الله عليه وسلم في تصحيح الأخطاء الاكتفاءُ بالتلميح، دون التَّصريح أحيانًا؛ فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطانِي، ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم، إنَّ هذا المال خضرة حلوة، فمَن أخذه بِسَخَاوَة نفس بورِكَ له فيه، ومَن أخذه بإسراف نفس لَمْ يبارَكْ له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليدُ العليا خيرٌ منَ اليد السُّفلَى))، قال حكيم: فقلتُ: يا رسول الله، والذي بعثَكَ بالحق، لا أرزأ أحدًا بعدكَ شيئًا حتى أفارقَ الدنيا، فكان أبو بكر رضيَ الله عنه يدعو حكيمًا إلى العَطَاء، فيأبَى أن يقبَلَه منه، ثم إنَّ عمر رضي الله عنه دعاهُ لِيُعْطِيَه، فأبى أن يقبلَ منه شيئًا، فقال عمر: إنِّي أُشْهِدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أنِّي أعْرضُ عليه حَقَّه مِن هذا الفَيء، فيأبَى أن يأخذَه، فلم يرزأ حكيم أحدًا منَ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفِّي؛ رواه البخاري ومسلم.
فحينما كَرَّرَ حكيم المسألةَ، كَرِه له النَّبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لا سِيَّما مع غِناه، فلَمْ يُصَرِّح له النبي صلى الله عليه وسلم بِكَراهة ذلك؛ بل رأى أنَّ التلميحَ كافٍ، فَلَمْ يَجْرح مشاعر حكيم بكلمة، وأَوْصَل ما يُريد إيصاله إليه؛ فلذا الْتَزَم حكيم بهذا التوجيه، ولم يأخُذْ حتى حَقَّه مِنَ العطاء.
إن الصغير تبدر منه الأخطاء مِن غير قصدِ الإساءَة، وتعمُّد إيذاء الآخرين، فلا ينبغي أن يُكْثَرَ معه العتب والتوبيخ، فضلاً عنِ العقاب، فَأَنَس بن مالك كان صغيرًا، وخَدَمَ النبي صلى الله عليه وسلم حين قدِمَ المدينة حتى لحقَ بالرفيق الأعلى، وكان يَتَوَانَى بالحاجة أحيانًا، ويقع منه ما يقع منَ الصبيان، ولم يَكُن يعتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم أو يُوَبِّخه؛ فعَنْه قال: خدمْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، واللهِ ما قال لي: أفٍّ قط، ولا قال لي لشيءٍ فعلتُه: لم فعلتَ كذا، وهلاَّ فعلتَ كذا؛ رواه البخاري ومسلم.
حينما يُخْطئ الصغير، ويحتاج الأمرُ إلى تَنْبيهٍ وتوجيهٍ، كان مِن هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم التَّنبيه بكلماتٍ يسيراتٍ؛ ليتمَّ حِفْظها، وَوَعْيها مع اللُّطْف في العبارة، والرِّفْق بالتَّوجيه؛ فعن عمر بن أبي سلمة، قال: كنتُ غلامًا في حجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانتْ يدي تطيش في الصَّحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلامُ، سَمِّ الله، وكُل بيمينكَ، وكُل ممَّا يليك))، فما زالتْ تلك طعمتي بعدُ؛ رواه البخاري ومسلم.
يجب على المعلم حين التوجيه وإصلاح الأخطاء تُذْكَرُ محاسن الشخص، وصفات الكمال التي فيه، وأنه قريبٌ منَ الكمال؛ لكنه ينقصه كذا وكذا، بِخِلاف تناسِي الحسنات، والتَّركيز على الأخطاء، فهذا مظنَّة عدم الاستجابة، فالمُوَجَّه يقع في نفسه أنه لا خير فيه، فلا يَحْرص على تصحيح الأخطاء، والتَّرَقِّي في درجات الكمال. فحينما يُخْطِئ الشَّخص لا ينظر هذا الخطأ بمعزل عن صاحبه، وبذله، وسابقته في الإسلام؛ بل ينظُر في حسناته، وهل له منَ الأشياء التي تشفع له، فحينما نَقَلَ حاطِب بن أبي بَلْتَعَة أخبارَ المسلمين إلى كُفَّار قريش، قال عمر بن الخطاب: إنَّه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فَدَعنِي أَضْرب عُنُقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عمر، وما يُدريكَ؟ لعلَّ اللهَ قدِ اطَّلَع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبتْ لكم الجنة))، قال: فدمعتْ عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم؛ رواه البخاري ومسلم . إذن لقد عذره النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخطأ، الذي هو في اصطلاح المتأخرين الخيانة العظمى؛ لسابقته في الإسلام، وشهود بَدْر.
و مِن مواقف النبي صلى الله عليه وسلم التي تُبَيِّن حسن تعامُله في مُعالَجة أخطاء الأهل، ما رواهُ أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نِسائِه، فأرسلتْ إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفَة، فيها طعام، فضربتِ التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطتِ الصَحْفَة، فانفَلَقَتْ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَق الصَحْفَة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصَحْفَة، ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادم حتى أَتَى بصَحْفَة مِن عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَة الصحيحة إلى التي كُسِرَت صحفتُها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَتْ؛ رواه البخاري.
عالَجَ النبي صلى الله عليه وسلم الموقفَ بالعدل، بعيدًا عَن الانفعالات والهَيَجَان و هذا أوجب الأخلاق باتباعه و تغليب صوت العقل على المشاعر و هذا مواقف النبي مع البالغين من الرجال و النساء أوليس الحري بنا أن نتعامل بها مع الاطفال القاصرين؟
في نهاية المطاف و في إطار التوجيه التربوي الإسلامي الصحيح ، ينبغي الجمع بين الترغيب والترهيب ، فهما متلازمان يكمّل بعضهما الآخر ، وقد حدد المنهج الإسلامي مصير الإنسان بين الثواب والعقاب ، فكما كان هناك ثواب للمحسنين " فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة" وكذلك هناك عقوبة للمسيئين "اتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب". إن العقاب البدني ليس بمحفز جيد لفاعلية الأفراد ولقد نمت التوجيهات التربوية المعاصرة مؤيدة لهذا التوجه وإذا اعتاد الولد على العصا فقدنا الإبداع وزرعنا الإكراه والإجبار ومن شبّ على شيء شاب عليه، لقد كانت تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم بعيدة كل البعد عن توقيع العقوبة المادية في التربية والتعليم. و لا ضير من القول أن التأديب في الفكر التربوي الإسلامي عملية تقويمية للطباع و الأخلاق و السلوك تروم تحقيق تعامل نموذجي للفرد في علاقته بخالقه و بالكون و الإنسان لذا فإن استحضار البعد التربوي في العملية التعليمية رهين بسلامة العلاقة التربوية بين المعلم و التلميذ.
المراجع :
- القرآن الكريم.
- صحيح البخاري , صحيح مسلم.
- حمودي, أحمد جميل (2008).التطبيقات التربوية الممكنة في عصر العولمة: جريدة الحوار المتمدن. العدد 2351.
- النعيمي, مريم (2002) رحلة مع الجيل السابق . السابق . بيروت : دار ابن حزم.
- أبو سليمان, عبد الحميد. (2002) الإصلاح التربوي: العلاقة بين الرؤية الكونية و المنهجية المعرفية و الأداء التربوي. المعهد العالمي للفكر الإسلامي. العدد (29) 125-165
- زيعور, علي.(1993) التربويات و علم النفس التربوي و التواصل في الفقهيات. بيروت: مؤسسة عز الدين.
- مدن, يوسف(2006) التعلم و التعليم في النظرية التربوية الاسلامية. بيروت: دار الهادي .
- الأصفهاني, علي بن الحسين بن محمد (2002) الأغاني. بيروت: دار الكتب العلمية.
- فارس, أحمد (1997) مقاييس اللغة. بيروت: دار الكتب العلمية.
- عفيفي , محمد بن يوسف (1998) العقاب البدني في التربية . رؤية اسلامية. المجلة التربوية. العدد(49) الكويت: جامعة الكويت.
- أبو دف , محمود خليل (1999) مشكلة العقاب البدني في التعليم المدرسي و علاجها في ضوء التوجه الاسلامي. مجلة الجامعة الاسلامية. المجلد السابع 133-167