بينما ارتبطت "أربعينية الشتاء" على مدار السنين الماضية بأذهان الناس أنها الأيام الأربعين الأشد بردا والأكثر أمطارا خلال العام، إلا أن "زمن أول تحول" وباتت هذه الأيام وعلى غير العادة بلا برد أو مطر.
استعدادات خاصة واستنفار كان يسبق أيام الأربعينية الممتدة من 21كانون الأول إلى 30 كانون الثاني لقسوتها في الماضي، فيما كان المثل الشعبي القائل "يا رب نجنا من نزلة المربعانية" أكثر ما يشغل البال.
وعلى غير العادة لم يعد الحاج أبو أيمن رجب يحتاج لاستخدام الأمثال الشعبية الدالة على قسوة البرد في مثل هذا الوقت من العام فيقول: كنا نردد "فش إشي بيستحي من أوانه " ونستعد لمطر يستمر على مدار الأسبوع "حتى انو الجار ما كان يقدر يطل على جاره لكن كل شئ تغير".
ويتحسر الحاج رجب والبالغ من العمر 78 عاما على الأيام الخوالي فرغم توفر الملابس والأثاث إلا أن البرد والمطر هجرا الناس على عكس الماضي.
يتابع "لم نكن نملك سوى الثوب الأبيض وجلد الغنم فوقه، إلا أن الدفء كان مصدره قلوب الناس وجمعتهم حول كانون الحطب في ذات الغرفة".
ويمثل فصل الشتاء "العمود الفقري" للعام كاملا بالنسبة للفلاحين الذين كان المطر بالنسبة لهم مصدرا للرزق ينتظرونه، لتنظيف الآبار وتجهيزها لجمع مياه الأمطار، ويحرصون على تجهيز المأكولات وخزنها في "الخوابي" وجرار الفخار استعدادًا لأيام الشتاء التي تهل بالمطر والبرد الشديد، مؤكدين أن رزق العام يعتمد على كمية المطر وحسن التدبير، "اللي ما بزرع في الشتوية بشحد في الصيف"، "سيل الزيتون من سيل كانون".
وقديما قالوا كذلك "في الكوانين كِن في بيتك وكثر من حطبك وزيتك" لذا كان العدس، والبصارة، والبامية المجففة، والسلق، الفطير بالسكر أطعمة هي بمثابة وقود الشتاء ومصدر للدفء في غزة.
ويصف الحاج رجب أيام شتا زمان "بالمميتة" من شدة البرد لذا كانت تتعطل فيه المناسبات والأفراح.
غياب " الحرويله"
وقديما وبحسب الحاج أبو بلال أبو قمر كان فصل الشتاء مليئا بالإرث الشعبي والعادات وغنيا بالمسميات والأمثال يتذكرها الكبار ويستحضرونها بمجرد نزول المطر الشحيح في هذه الفترة، أو حين يجتمعون حول وسائل التدفئة المختلفة في الليالي الباردة.
ويقول أبو بلال إن الأربعينية تعد من أشد فترات الشتاء برودة وهي بمثابة مقياس لكامل الفصل فلو كانت المربعانية باردة كنا نعرف أن فصل الشتاء سيكون كله باردا وكما يقول المثل "المربعانية يا شمس تحرق يا مطر تغرق".
ويتابع: كنا نستعد لفصل الشتاء قديما بتجفيف الجفت وتجميع الحطب حتى يتم اشعال النار يومياً.
ويفتقد أبو بلال جمعات الكانون في ظل البيوت المغلقة على عكس أيام زمان، ويقول" كل شئ تغير كان البرد والمطر يبدأ مع أكتوبر ويشتد في الأربعينية، لكن اليوم وصلنا للأربعينية والبرد الموجود لا يذكر ولم تمطر سوى مرتين أو ثلاثة، كنا نشعر بالدفء عندما نتشارك الملابس والأغطية في ذات الغرفة.
ويدلل الحاج الستيني أبو قمر على انعدام البرد بغياب " الحرويله" وهي تجمد بخار الماء على الرمل والأشجار من شدة البرد، موضحا أن هذه الظاهرة غابت بشكل كامل ما يعني غياب البرد.
ولعل أسوأ حدث كان يعاني منه الفلاحون قديما هو تأخر المطر، وقتها كانوا يسارعون إلى "الاستسقاء"، أو ما يسمونه "شحدة المطر"، مبتهلين بأدعية وأناشيد يستحضرون فيها فقرهم وحاجتهم للمطر.
ومن الطقوس الشهيرة لأجل طلب المطر "التشريب"، وفيها يقولون:
"يا ربـي بَـلـه بـَلـه.. وإحنـا تحـتـك بالـقـلة
يا رب بل المنـديل.. قبل ما نرحل ونشـيل
يا رب ما هو بطـر.. بنطلب منك مطر
يا رب ما هو غيه.. بنـطلب منـك مية"