لا تسعف أنفاس الفتى منار عبد الحليم، أطراف أصابعه التي مال لونها للأزرق وهو يحاول تدفئتها أثناء بحثه بين صدف البحر المتناثر على الشاطئ بعد أن ألقته أمواج البحر العالية التي صحبها المنخفض الجوي وضرب قطاع غزة الخميس الماضي.
بعد كل منخفض يزور القطاع، وبالتحديد في ساعات الصباح، يقصد منار الذي بدت عليه علامات الفقر، شاطئ البحر للبحث عن "رزقة" قد تكون نقوداً معدنية أو في أحسن الظروف قطعة ذهبية فقدتها إحدى الفتيات بالمياه وهي تسبح خلال أيام الصيف.
المعادلة التي تخرج المعادن لا تحتاج إلى تفسير علمي أو نظرية وضعها أحد العلماء، إذ يفسرها الفتى "للرسالة"، بأن المنخفض الجوي يصطحب معه رياحا شديدة تجعل أمواج البحر تعلو وتتقدم إلى الشاطئ جارفة معها كل ما هو ثقيل ومخبأ تحت الماء، وبعد انتهاء الرياح تنسحب أمواج البحر وتبقى هذه القطع على رمال الشاطئ.
صباح السبت الماضي وبعد انقضاء المنخفض الجوي كان بحر غزة أشبه بالمنطقة القديمة التي يقصدها عشرات الباحثين عن الآثار، إذ أن "منار" الذي يعيل أسرة رغم صغر سنه لم يكن الوحيد الذي يعمل في هذه المهنة الباردة، بعد أن لجأ عدد كبير من المواطنين إليها هرباً من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تفرضها ظروف القطاع عليهم.
"الغرقان بتعلق في قشة"، يقصد محمود الأسود بهذا المثل الدافع وراء اضطراه للجوء إلى "التنبيش"، إذ أن تعطله عن العمل في مهنة الحدادة، أجبره للعودة إلى هذه العادة التي كان يقصدها من أجل التسلية في سن الطفولة.
ومع أن مسافة البحث قد تتجاوز الكيلو متر على طول الشاطئ وتمتد لأربع ساعات متواصلة، إلا أنها أحياناً قد لا تجدي نفعاً، ويعود " الأسود الذي يبلغ من العمر 48 عاماً بخفي حنين، ومع ذلك فإن متوسط ما يرزق به في كل جولة بحث لا يتجاوز العشرين شيكلا-وفق قوله-.
وعن المهارات التي يحتاجها النبش، يوضح أنها لا تحتاج سوى لمعرفة المناطق الشاطئية المسماة (بالحرف)، أي المناطق الرملية التي يقصدها آلاف المواطنين للسباحة في أيام الصيف، والتركيز أثناء تقليب الصدف والحجارة الملقاة على الرمال كون النقود قد يكون لونها داكنا جراء الصدأ.
ويوصي صاحب البشرة السمراء من يريد البحث، التحلي بالصبر وطول النفس، سواءً الصبر على التأخر في إيجاد النقود، أو الصبر على البرد الذي ترتعد له فرائص الباحث بعد أن يجد نفسه قد أبتل بمياه البحر ومع ذلك تنال أصابع اليد نصيب الأسد منه.
أما المواطن أسعد ماهر فإن سبب مجيئه للشاطئ وبحثه عن النقود كان مختلفاً عن سابقه حين أخبر "الرسالة"، أنها هوايته منذ الصغر، بعد أن كان يصحبه والده في البحث، وبقي يمارسها بعد كل منخفض جوي تعلو فيه أمواج البحر.
ومع ذلك يجد العشريني بهذه العادة التي بدأت تشهد إقبالاً واسعاً من الموطنين-حسب ملاحظته-نافذة صغيرة للرزق، ويكشف أن إحدى جولات البحث قبل 5 أعوام تكللت بإيجاد سنسال ذهب وباعه بمبلغ مئة وخمسين دينارا أردنيا.