عملية نابلس... دلالات التوقيت

صورة
صورة

محمد أبو قمر

منذ اللحظة الأولى لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بشأن مدينة القدس المحتلة، اتفقت الآراء على أن الرد الأقوى يكمن بتحرك جبهة الضفة ضد الاحتلال الإسرائيلي بما يشعر ساكن البيت الأبيض بتبعات وخطورة ما أقدم عليه.

اختيار الضفة لتكون نقطة المواجهة يأتي بحكم تأثير ضرباتها على الاحتلال ومستوطنيه الذين تتشابك طرقهم وتحركاتهم اليومية مع الفلسطينيين، مما يعطي فرصة أسهل للاشتباك والاستهداف المباشر.

وفي حال أي خطر يهدد مستوطني الاحتلال المقيمين على اراضي الضفة، فإن ذلك من شأنه أن يربك تحركاتهم ويكبح جماح اعتداءاتهم اليومية على الفلسطينيين من جهة، وتشكيل إزعاج مزمن لجيش الاحتلال ومن خلفه القيادة السياسية من جهة أخرى.

ولعل اشتداد المواجهة التي كانت مأمولة في الضفة، يعني خلطا لأوراق العمل الاسرائيلية التي كانت تعد لتهويد كامل لأراضي الضفة، في إطار تنفيذ بنود صفقة القرن.

ورغم مرور ما يزيد عن شهر على القرار الأمريكي، الا أن احتجاجات الضفة بقيت مقتصرة على الاشتباكات والمواجهات الشعبية مع جنود الاحتلال على الحواجز ونقاط التماس، ولم ترتق لما كان يتطلع إليه، وذلك على الرغم من اعلان جهاز الشاباك الاسرائيلي بأن عدد العمليات تضاعف ثلاث مرات منذ قرار ترامب مقارنة بأوقات سابقة.

ليلة الثلاثاء التي كانت هادئة في الضفة المحتلة قبل العملية، تحولت الى ضجيج بعد إطلاق الرصاصات على سيارة الحاخام الصهيوني وأعادت الاحداث الى مسارها الصحيح.

وبالنظر إلى دلالات التوقيت وآلية التنفيذ يمكن القول:

- ناشطو المقاومة في الضفة باتوا على يقين ان التأثير المباشر على الاحتلال يكمن في الضربات الخاطفة الموجعة التي تحتاج وقتا طويلا للتخطيط من خلال رصد الهدف وتحديد الوقت والمكان المناسبين للتنفيذ، والأهم رسم خطة الانسحاب بشكل محكم للحفاظ على حياتهم والابقاء على استمرارية المواجهة.

- محاولة فصائل المقاومة استعادة تشكيل الخلايا العسكرية مستمرة، وإن أخذت وقتاً وحاجتها للمزيد، بعدما أُنهكت من الضربات التي تلقتها سواء على يد الاحتلال أو السلطة الفلسطينية.

- ليس من المستبعد أن يكون من نفذ العملية أو يقف خلفها له علاقة بالعمل داخل أجهزة الامن الفلسطينية، على اعتبار أن امتلاك السلاح لم يعد سهلا في ظل القبضة الامنية المشددة وقطع امدادات التجهيزات العسكرية، وفي نفس الوقت تأهيل الشباب للعمل العسكري يحتاج الى الاستفادة من خبرات سابقة، وتلك الخبرات الخاصة بالفصائل غابت في ظل اعتقال أغلب القادة الميدانيين، فضلاً عن افتقار الضفة للمعسكرات التدريبية.

- انسداد أفق التسوية ربما دفع البعض من داخل حركة فتح للتفكير بالذهاب للعمل العسكري (المسيطر عليه) كورقة ضغط على الاحتلال، وهذا ما ذهبت إليه الصحافة العبرية عندما اتهمت محمود العالول نائب رئيس حركة فتح بالعمل على تشكيل خلايا مسلحة في الضفة المحتلة.

ورغم أن هذا يتنافى مع توجهات رئيس السلطة تحديدا الذي يرفض أي تحرك عسكري وحتى مواجهة شعبية تخرج عن سيطرته، لكنه لا ينفي وجود حراك لدى قادة فتح غير المتنفذين.

- وقت تنفيذ العملية الذي جاء قبل ايام قليلة على انعقاد المجلس المركزي الذي سيجتمع الاحد المقبل يعطي مؤشرين، الاول: أنه في حال كانت تقف عناصر فتحاوية خلف العملية فهي تريد من خلالها ايصال رسالة للاحتلال بضرورة الاستجابة (لبعض) المطالب والخطوات على الارض مثل تخفيف حدة الاستيطان والاجراءات ضد المدينة المقدسة، والتي من شأنها أن تحفظ ماء وجه السلطة وتبعد عنها الانتقادات الشعبية اللاذعة لمواقفها السلبية.

أما الثاني: إذا كانت تقف خلفها فصائل المقاومة الأخرى، فهي رسالة لجميع المجتمعين من الفصائل بأن هذا هو الخيار الشعبي الذي يجب الالتفات له، والعمل على انجاحه بعد انهيار خيار التسوية.

في كل الأحوال تبقى الخيارات المتعددة يحكمها التطورات على الأرض فلغة الميدان ستفرض مسار الأحداث.

البث المباشر