قلبت عملية نابلس الأخيرة حسابات قيادة حكومة الاحتلال التي منت نفسها بهدوء الضفة بعد موجة واسعة من المواجهات الشعبية، وفتحت المجال أمام مرحلة جديدة من الرد على عدوانية القرار الأمريكي بشأن مدينة القدس المحتلة، والاستغلال الإسرائيلي له بالاستمرار في تغوله الاستيطاني وتهويد المدينة المقدسة.
فخلال أربعين ثانية وباثنتين وعشرين رصاصة، أصيبت المنظومة السياسية والأمنية الإسرائيلية بصدمة العملية التي نفذها فدائيو نابلس، لا سيما أنها تعيد الذاكرة إلى العمليات المسلحة التي بانت في انتفاضة القدس التي اندلعت في أكتوبر 2015، حيث عملية "ايتمار" التي نفذت في نابلس أيضاً، وامتدَّ صداها إلى عمليات أخرى في بقية مدن الضفة، كما تحيي الروح في بندقية المقاومة التي أشعلت انتفاضة الأقصى عام 2000.
وكان مستوطن (إسرائيلي) قد قتل في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة "حفات جلعاد"، قرب قرية صرة جنوب نابلس، وأفاد موقع "ريشت كان" العبري أن سيارة مسرعة أطلقت النار تجاه المستوطن وإصابته بشكل مباشر في الرقبة، ونجح منفذ العملية بالانسحاب من المكان.
وتعتبر عملية نابلس الرد المسلح الأول على قرار ترمب بشأن إعلان القدس عاصمة لـ(إسرائيل) بعد مرور شهر عليه، وبالنظر إلى طبيعة الوضع الأمني في الضفة بملاحقة الاحتلال والسلطة لخلايا المقاومة، فإن التحضير لعملية مسلحة باستخدام سلاح رشاش وفي منطقة مستوطنات، يحتاج إلى مدة شهر على الأقل، مما يعني أن قرار الرد على القرار كان منذ لحظة إعلانه، ومما يبشر بأنها لن تكون الأخيرة.
وكما تشير العملية إلى أن الخلية التي نفذتها مدربة بشكل جيد، ولديها جرأة كبيرة على تنفيذ العمليات، وانسحابها بسلام من منطقة العملية يعزز التوقعات بإمكانية إعادتها للكرّة، وتنفيذ عمليات أخرى، مما يرفع مستوى القلق لدى قيادة أمن الاحتلال ومستوطنيه، وهذا ما ترجم عمليا بقرارات غابي ايزنكوت بالدفع بمزيد من القوات إلى منطقة العملية والقرى المحيطة بها.
وعن دلالات اختيار مكان العملية والتي وقعت بين مجموعة من المستوطنات، فإن ذلك يربك حسابات المستوطنين الذين حاولوا افتراس السكان الفلسطينيين في قرية قصرة ونادما وقوصين وعصيرة القبلية وتل وغيرها خلال الأسابيع الماضية التي تلت قرار ترمب.
وتثبت العملية فشل محاولات الاحتلال والسلطة لتدجين الجيل الفلسطيني الناشئ لقبول الأمر الواقع في الضفة، كما فشلت في محطات سياسية سابقة، كما تؤكد العملية أن الضفة حبلى بالخلايا العسكرية التي تشابه خلايا صوريف وكوبر وايتمار التي لطالما أزعجت الاحتلال بعملياتها النوعية.
وفي التعليق على ذلك، قال الكاتب والمختص في الشؤون في (الإسرائيلية) محمود مرداوي: "إن العملية جاءت في توقيت حساس للغاية حيث تشهد القدس تهويدًا غير مسبوق بغطاء أمريكي وصمت عربي، وكذلك تزامنًا مع تصاعد التغول الاستيطاني في الضفة، والاعتداء على المواطنين بشكل يومي".
وأشار في تغريدة نشرها على الفيسبوك إلى أنه من حيث المكان نُفذت العملية جنوب غرب مدينة نابلس في منطقة من أخطر الأماكن، وتعتبر خاصرة رخوة وممتدة من نابلس حتى قلقيلية ويقطعها شارع ستين ويقع عليه ما يزيد عن أربعين قرية فلسطينية وأكثر من عشر مستوطنات (إسرائيلية)، مبينًا أن دخول نابلس مجددًا على خط الانتفاضة له حساباته لدى الاحتلال.
ومن الناحية العملياتية، أوضح مرداوي أن تنفيذ العملية عبر تجاوز سيارات المستوطنين يذكر الاحتلال بعمليات الشهيد عماد عقل وخالد الزير وعلي عاصي وكل العمليات الالتفافية التي كانت تتم بعد انتفاضة الحجارة وفي انتفاضة الأقصى، متوقعًا أن تشكل العملية تحولاً ونقطة فاصلة في مزاج الشعب ورغبته في الانخراط في انتفاضة القدس، بالإضافة إلى أن المناخ في الوقت الحاضر مناسب جداً لتنفيذ العمليات وفق تضاريس الضفة الغربية.
أما المحلل السياسي حمزة أبو شنب فقد اعتبر أن عملية نابلس تمثل الوسيلة الأنجع والأقوى في مواجهة الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة، فالاستهداف موجه ضد المستوطنين في بؤرة مغتصبة على أراضي الضفة الغربية، موضحًا أن الفعل المقاوم الحالي يجعلنا نستحضر تجربة المقاومة في انتفاضتي الحجارة والأقصى.
وبيّن أن قراءة المعطيات الميدانية لاغتصاب الأراضي خلال فترات التنسيق الأمني بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، وتجربة المقاومة بينهم، تدلل على أهمية عمليات المقاومة كعملية نابلس الأخيرة، "فلا خيار يعلو على خيار المقاومة بأشكالها كافة، أما التسوية مع المغتصبين فهي هراء".
وفي نهاية المطاف، يعي الاحتلال أكثر من أي طرف آخر أن عملية نابلس لن تكون الأخيرة، بناءً على النجاح الذي حققته دون أي خسائر في طرف المنفذين، مما سيشجع خلايا نائمة لطالما جرى الحديث عنها في الضفة على تنفيذ عمليات مشابهة.