لم يجد بائع الملابس أبو حمزة النحال، حلا لمشكلة الركود وقلة البيع، إلا بتسريح عماله الثلاثة والاكتفاء بالبيع وحيدا في محله الواقع بسوق مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
ولم يكن البائع النحال الوحيد الذي يعاني من مشكلة ضعف البيع، فالمتجول في الأسواق الغزية يرى حجم الكساد في جميع المجالات، في وضع لم يمر على الأسواق خلال سنوات الحصار الأكثر شدة، وفق قوله.
وازدادت الأوضاع سوءا وتدهورا بعد قرارات الرئيس محمود عباس، في أبريل الماضي، بتقليص الدعم الموجه لغزة من الكهرباء، وخصومات رواتب موظفي السلطة من (30%-50%) بجانب إحالة عدد كبير من الموظفين العموميين إلى التقاعد المبكر، وإيقاف التحويلات البنكية، في حين تصر الحكومة على عدم إدراج غزة ضمن موازنتها السنوية.
تدهور كبير
ويشهد قطاع غزة تدهورا حقيقيا على المستوى الاقتصادي، وأصبح المواطن بالكاد يستطيع تغطية احتياجاته الأساسية؛ رغم الانخفاض الكبير على كافة السلع.
وقال النحال: "تزداد الأوضاع سوءًا منذ 8 شهور تقريبا، وذلك بسبب عدم توفر سيولة نقدية للمواطن تسمح له بإنعاش عملية الشراء كما كان في السابق".
وأوضح أن سوء الأوضاع لديه دفعه إلى تخفيض الأسعار بشكل متواصل بهدف جذب الزبائن ولكن دون جدوى، وذلك بسبب عجز المواطن عن تغطية احتياجاته الأساسية، وبالتالي "عزوفه كليا عن فكرة شراء الكماليات مثل الملابس وغيرها".
وتعتمد السوق المحلية، بشكل كبير على رواتب الموظفين الحكوميين، فبعد التقليصات التي اتخذها عباس، باتت الحركة في الأسواق شبه معدومة.
ولعل الحصار الاقتصادي الذي يعيشه القطاع منذ 11 عاما يعتبر عاملا أساسيا في انعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين، فمع زيادة حركة الاستيراد بشكل كبير وانعدام التصدير تخرج مليارات الدولارات دون القدرة على تعويضها في غزة.
وعملت العديد من المؤسسات الاقتصادية على تسريح عمالها تدريجيا وصولا إلى الإفلاس والإغلاق، فعلاوة على شح السيولة يعيش الاقتصاد الغزّي حالة من الضرائب المرتفعة رغم تسلم حكومة التوافق مهامها منذ أشهر.
وخلال سنوات الحصار، عمل العديد من التجار على إخراج رؤوس أموالهم تدريجيا إلى خارج القطاع، في محاولة للاستثمار في بيئة آمنة تضمن النجاح في المشروعات التي يستثمرون بها.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن القطاع الذي خاض ثلاثة حروب ويعاني من الحصار المستمر للعام الحادي عشر على التوالي، لن يكون صالحا للعيش بحلول عام 2020 بفعل تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية والحياتية وغياب أي رؤية تنموية.
أزمة سيولة
من جهته، قال المختص في الشأن الاقتصادي نهاد نشوان، إن القطاع يعاني بشكل كبير من أزمة من السيولة النقدية، ومن الممكن أن تؤدي به للوصول إلى حافة الانهيار، خصوصا أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة أدت لسحب 18 إلى 20 مليون دولار من السيولة المتوفرة في السوق.
وأضاف: "استمرار غياب السيولة بهذه الطريقة من القطاع سيفاقم الأزمات الاقتصادية وسيصل إلى مرحلة سيؤدي فيها سحب مبلغ مال قليل من الشركات، إلى التأثير بوضوح على الوضع المحلي".
ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية وسلطة النقد عملتا على تقليص السيولة المتوفرة في الأسواق، من 40% إلى 15%، وتابع "خرجت مليارات الدولارات إلى خارج القطاع ولم تعد بأي شكل من الأشكال".
وفي حديثه عن الحلول العملية، يرى نشوان أن فتح باب التصدير بشكل واسع سيؤدي لإعادة عمل الدورة الاقتصادية بشكل سريع وسيزيد من عجلة دوران النقود في القطاع.
ووفقاً لإحصائية من هيئة المعابر، فإن معدل البضائع التجارية التي كانت تصل للقطاع في بعض الفترات السابقة وصل ما بين (700-800) شاحنة يوميا، في حين شهدت تراجعا حاليا لتصل ما بين (350-550) شاحنة في أفضل الأحوال.
وفي حال استمر الوضع الحالي دون عودة الرواتب كاملة وفتح التصدير لتدر عملة صعبة، فإن الاقتصاد الغزي لن يصمد كثيرا وسيصل القاع قريبا.