تراوح المصالحة الفلسطينية مكانها منذ مغادرة الوفد الأمني المصري قطاع غزة منذ أكثر من شهر، فيما تزيد إقالة رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي ركود المصالحة وجمودها خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يلقي بظلال سلبية على واقع الحياة في القطاع المحاصر.
وتزيد إقالة رئيس جهاز المخابرات المصري المشرف على ملف المصالحة، القلق الفلسطيني على مصيرها، لاسيما مع انشغال الساحة المصرية بملف الانتخابات الرئاسية.
ويرى بعض المراقبين أن قرار الإقالة أكبر من المصالحة وتعثرها، وأنه يحمل بعداً مصرياً داخلياً، في حين يذهب آخرون إلى أن الإقالة لصيقة بالمصالحة والرؤية الأمريكية تجاه التسوية، والقائمة على التوطين في سيناء، وهو ما يرفضه فوزي ولم يعمل وفقه على أرض الواقع.
وبناء على ما سبق، فالمؤكد أن استبعاد فوزي سيترك آثارا واضحة على ملف المصالحة إلى حين استقرار أوضاع جهاز المخابرات المصرية على الأقل.
ومن اللافت أن عملية المصالحة التي رعتها مصر عبر جهاز المخابرات، شهدت حضور مدير الجهاز اللواء خالد فوزي إلى غزة للمرة الأولى منذ الانقسام السياسي، وهو ما ألقى بظلاله الإيجابية على سير الملف برمته.
جهات رسمية عديدة رفضت التعقيب على ما حدث وتأثيراته بدعوى أن الأمر يعد شأنا مصريا داخليا، بينما ذكر خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في تصريحات سابقة "للرسالة" أن الجانب المصري لم يتواصل مع أيا من الأطراف الفلسطينية منذ انسحاب وفده الأمني من القطاع في السابع من الشهر الماضي.
وتشير المعطيات وكذلك مراقبون إلى أن مصر الآن، ليست في وارد العودة بقوة إلى ملف المصالحة الفلسطينية، فلديها أولويات تتعلق بإنجاز انتخاباتها الرئاسية، وكذلك لاضطرارها التجاوب مع الرؤية الأمريكية للتسوية في الشرق الأوسط.
ويربط الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ذو الفقار سورجو بين قرارات المجلس المركزي الضبابية في موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة وزيارة جيسون جرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط العاجلة بالإضافة لإقالة خالد فوزي، معتبراً ذلك "مقدمة لتغيرات سياسية في كل الخطط السابقة في التعامل مع الملف الفلسطيني وتجاوز الصدام السياسي والديبلوماسي".
واعتبر سورجو في تغريدة له أن هناك جديد لدى الامريكان لاحتواء التطورات الأخيرة وعودة المسار لصفقة القرن، مشيرا إلى أن الموقف الفلسطيني هو الفيصل في حال رفض الاحتواء والتمسك بالموقف الفلسطيني برفض الموقف الامريكي والرعاية الامريكية التي سيكون لها مخرجات جيدة على الصعيد السياسي وعلى تمتين العلاقة الداخلية المتأزمة.
سياسة دولة
بدوره، قال الدكتور عماد جاد، النائب البرلماني المصري، والمتخصص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي: "إن كل الحديث الجاري عبارة عن تكهنات حول الأسباب لإقالة اللواء فوزي"، معتبرا أن ملف المصالحة يمثل سياسة دولة ولا يرتبط بشخص بعينه.
وذكر لـ"الرسالة نت" في اتصال هاتفي، أن الشخصية التي ستحل محله ستتولى ذات المهام والملفات "لذا لن يتأثر ملف القضية الفلسطينية برمتها والتي تشرف عليه المخابرات المصرية خاصة وأن الملف لا يرتبط برئيس الجهاز شخصيا بل دقائق الأمور هي بيد مجموعة لازالت على رأس عملها"، لافتا إلى أن مؤسسة الرئاسة هي من تضع السياسات.
ورأى جاد أن التراجع في الملف يعود لعدم تنفيذ الطلبات من المعنيين، وأن الملف الفلسطيني فيه لاعبين كثر قد يكون من مصلحتهم عدم نجاح الجهود المبذولة وعرقلتها.
في المقابل وعلى نقيض ما يراه جاد، قال الدكتور تيسير محيسن الكاتب والمحلل السياسي: "إن رئيس الجهاز عنوان السياسة المعتمدة في التعامل مع الملفات". وذكر "للرسالة" أن فوزي تصدر المشهد في دفع المصالحة للأمام بين فتح وحماس، وله مواقف ملموسة في جدية الدفع بالملف حتى اللحظات الأخيرة، وتوجيه كلمات قاسية لرئيس المخابرات الفلسطينية لعدم تعطيل الملف.
ويعتقد محيسن أن الإقالة جاءت لتَغَير السياسة المصرية العامة تجاه ملف المصالحة، مبينا أن التغير ناتج للصعوبات في التقدم في ملف المصالحة وفق الرؤية التي تريدها مصر والتي تتقاطع إلى حد كبير مع الرؤية الامريكية السعودية لإنهاء الملف الفلسطيني.
ويرى أنه رغم ما تحاول مصر تسريبه من معلومات إلا أنها قابلة بمخرجات المشروع الأمريكي، وتابع "هي تحاول أن تخلق بيئة مناسبة لتقبل المشرع وتطبيقه على أرض الواقع"، مشيرا إلى أن ما يجري في سيناء من حملة محمومة للجيش وإزاحة الكتل السكانية المحاذية لحدود فلسطين التاريخية يؤكد ذلك.
وكان الأكاديمي والناشط السياسي المصري ممدوح حمزة قال في تغريدة له: "إن سبب إقالة فوزي يعود لرفضه تماما مشروع الوطن البديل، وذلك بناء على مقابلة معه مباشرة"، مؤكدا "وجود شاهد"، يدلل على ما ذكر.
وأضاف: "قال لي (خالد فوري) أن سبب تخلي أمريكا عن مبارك، هو رفضه للوطن البديل على أي جزء من سيناء"، وفق قوله.