رغم صفعة ترامب

تشكيك بتخلي عباس عن الوساطة الأمريكية في التسوية

ارشيفية
ارشيفية

غزة-محمد عطا الله

لا تنفك قيادة السلطة عن الركض خلف سراب ما تبقى من عملية التسوية، غير آبهة بخذلانها من "رعاة البقر" والصفعة الأخيرة التي تلقتها بإعلان القدس عاصمة لـ(إسرائيل) والدفع باتجاه تسوية قضية القرن على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

ورغم إقرار رئيس السلطة محمود عباس في خطابه الأخير بلدغه من الجحر عدة مرات، والتلويح بعدم قبوله وساطة الإدارة الأمريكية بعملية التسوية، إلا أن تراجعه عن ذلك بشكل خجول وغير مُعلن يدلل على حالة "التدجين" التي وصل إليها ومراوحته داخل الفلك الإقليمي والدولي.

وقال مصدر فلسطيني كبير: "إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة الأسبوع الماضي قبوله بعودة الوساطة الأمريكية في عملية التسوية حتى دون إلغاء الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل).

ونقلت إذاعة "كان" العبرية عن المصدر قوله: "إن أبو مازن اشترط مع ذلك عدم قيادة واشنطن لمسيرة السلام"، موضحاً أنه يجب على واشنطن أن تكون جزءا من إطار دولي يرعى المفاوضات إلى جانب مصر والأردن. وادعى أن الاعتراف بالقدس ينبغي ألا يكون إحدى معيقات التفاوض.

ويعكس ما سبق ضعف موقف رئيس السلطة في مواجهة القرار الأمريكي الذي قضى على حل "الدولتين" الذي تبناه مُهندس اتفاق أوسلو، والاكتفاء بخطابات نارية تمتص غضب الشارع الفلسطيني وتُبقي الباب موارب أمام أي مفاوضات تسوية.

رضوخ مرفوض

وبخلاف ما ذكره المصدر الفلسطيني للإذاعة العبرية، شدد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، على أن قرار رفض الوساطة الأمريكية في أي جولة تفاوضية مقبلة، لا رجعة عنه خاصة بعد التصعيد الأمريكي الأخير والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وتوقيع قرار نقل السفارة الأمريكية إليها.

وأضاف أبو يوسف، في حديث لـ"الرسالة نت" أن "هناك إجماعا فلسطينيا واضحا ومتمثل برفض الوساطة الأمريكية بشكل نهائي، والعودة لها مجدداً سيكون رضوخا مرفوضا، وتجاوزا لن نقبل به"، ولفت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت أهليتها في رعاية أي مفاوضات "تسوية" مقبلة.

وتشير التجارب السابقة، لضرب رئيس السلطة محمود عباس لمواقف وقرارات المؤسسات الفلسطينية بعرض الحائط، لاسيما قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني، وبالتالي فمن غير المستبعد أن يذهب في اتجاه معاكس ويقبل بالوساطة الأمريكية.

وحسب مراقبون للشأن الفلسطيني فإن حالة الضعف السياسي التي يمر بها عباس وتغييبه لخيار المقاومة وتمسكه بعملية التسوية، من شأنه أن يدفعه للرضوخ أمام الضغوط والتراجع عن رفضه رعاية الولايات المتحدة لمشروع التسوية.

مراوغة

ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن السلطة تدرك عدم وجود أي أمل في عملية التسوية، وأن الموقف الأمريكي بات أكثر صرامة ولا يمكن أن يبقى كوسيط، إلا أنها تفضل المراوغة بسبب موقفها الضعيف في مواجهة التوجه الأمريكي.

ويوضح المدهون في حديثه لـ"الرسالة نت" أن استقبال الدول العربية وخاصة الأردن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، بحفاوة ودون أي اعتراض على قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة عزز حالة الضعف عند السلطة.

ويؤكد أن قيادة السلطة لا تجرأ على التغريد خارج السرب العربي الذي قد يكلفها الكثير، إلى جانب عدم استعداد عباس بأن يلقى مصير الرئيس الراحل ياسر عرفات، لذلك يفضل أن يُبقي الحالة على ما هي عليه دون الذهاب إلى مواجهة.

تناقضات

ولم يستغرب الكاتب والمحلل السياسي نعيم بارود بأن يذهب أبو مازن باتجاه القبول بالوساطة الأمريكية، منوها إلى أنه لا يزال يراهن على الموقف الأمريكي بخلاف ما صرح به مؤخرا.

ويشير بارود لـ"الرسالة نت" إلى أن قيادة السلطة وخاصة عباس اعتادوا على التناقضات في المواقف، مدللاً على ذلك بعدم العمل بقرارات وقف التنسيق الأمني التي أقرها "المركزي" قبل سنوات.

ونوه إلى أن القبول بالوساطة الأمريكية مجددا يعكس غياب القوة والاستقلالية في مواقف رئيس السلطة، "فهو محكوم بما تمليه عليه الإدارة الأمريكية و(إسرائيل).

وبيّن بارود أن عباس ما زال مقيدا باتفاق أوسلو، ولا يمكن أن يخرج عن السقف الذي تحدده له القوى الدولية.

وكان المجلس المركزي الفلسطيني اتخذ خلال دورته الـ28 التي عقدها مؤخرا برام الله على مدار يومين، قرارات أبرزها اعتبار أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في "أوسلو"، والقاهرة، وواشنطن، بما انطوت عليه من التزامات، لم تعد قائمة.

وفي نهاية المطاف، فإن مواقف السلطة تجاه رعاية واشنطن للتسوية تعكس مراوغتها، وعدم التزامها بقرارات "المركزي" بشأن العلاقة مع أمريكا و(إسرائيل)، وتفضح عجزها في مواجهة تلك القرارات.

البث المباشر