قائمة الموقع

أشواق..غربة.. شتات..

2010-07-25T13:33:00+03:00

بقلم: رشا فرحات

أفتح جهاز الكمبيوتر كل يوم، في نفس الساعة ...شكرا للتكنولوجيا..أردد..سبحان من سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، والله إنها " فشة خلق" و" بلة ريق" لمن هم في مثل حالتي مشتاقة لأب وأم تفصل بينها وبينهم ألاف الكيلو مترات، ماذا كنت سأصنع لولا هذا الماسنجر، يا ترى هل تصل دعواتي إلى صاحب هذا الاختراع، لو أراه، أتراه يعلم كم هو عدد القلوب المشتاقة التي تقاربت بفضل هذا الاختراع...

يدور إصبعي على بكرة الفأرة، اتصل بالانترنت، افتح الماسنجر، يصدح الميكرفون، تلمع صورة الكاميرا.. تظهر صورة أمي وأبي وإخوتي، اضحك بسعادة، إنها أكثر وضوحاً هذه المرة، قد تظهر بعض تفاصيل الوجوه، الأشواق المرسومة عليها، يصرخ أبناء أخي: "عمتو عمتو هيها عمتو"، تصرخ الطفلة الصغيرة، تلك التي تحمل اسمي، فرحة بعد أن شاهدت صورتي عبر الشاشة:" شوفوا صورة عمتو بتضحك"..واضحك أنا ثم ابكي، الحمد لله لا تتضح الدموع من خلال الصورة في الماسنجر، حتى لا تُقلق أمي، يبدأ كل منهم بالتصارع أمام الكاميرا لنقل أخباره وأشواقه المتكدسة في غيابي..

أختي الصغرى، ستتزوج نهاية الشهر، تلبس ثوبها الأبيض لتريني إياه قبل موعد الزفاف، تسألني إذا ما كان جميلاً، أطير من الفرح، احلق في مخيلتي لأحتضنها حتى ولو حلماً، تفرح دون أن أرى فرحتها، لقد أصبحت عروساً في بعدي، أدعو لها، اشتم روائح السعادة في ثورة ثوبها الأبيض الذي تظهر به من خلال شاشة الكمبيوتر الصغيرة، بعيداً عن تفاصيل الحقيقة، فالصورة ليست واضحة بما يكفي، لا تعكس صورة أشواقي الكبيرة، مهما اتضحت ...

 أخي الصغير يقرب شهادة تخرجه أمام الشاشة، فأذكر انه أصبح رجلاً ولم يعد ذلك الصبي الصغير الذي تركته منذ عشرة أعوام، فأستشعر بداخلي غربة نحوه وكأني لا اعرفه، أبحث عن كلمات لتغطي حجم فرحتي به، ولكني لا أجد، فألتزم الصمت، فيقرأ هو أفكاري ويلتزم هو الآخر صمتاً مخيفاً يبحث عن كلمات ليعبر بها تلك المسافات الطويلة الفاصلة بيننا، فتصلني قبل أن يتفوه بها..

 ابتسم باكية..أشواق مدفونة تأبى أن تخرج، تلك الشاشة الصغيرة لم تعد تكفي، أمد يدي لعلي حلماً اخترقها وأطير نحوهم..لا استطيع احتضانك يا أمي، لا استطيع النظر إلى تفاصيل عيناك، لأرى ما بها من هموم، أصدقيني القول يا أمي، كيف أصبحت، كيف هي صحتك، كم هو حجم الآلام التي ازدادت في بعدي، وكيف صحتك يا أبي، تسيل دموعهما كما تسيل كل ليلة في نفس الموعد، وعلى نفس الشاشة، لا أراها ولكني اشعر بها.

 تباً لتلك النفس التي لا تريد أن تتعود البعد، تبا لذلك القلب الذي لا يقوى على الجفاء، فيرتاح ولو قليلا من تلك الأوجاع، ألا يقولون أن البعد جفاء؟!! لماذا اشعر بأن الأشواق تزداد يوما بعد يوم حتى باتت نيراناً لا تريد أن تنطفئ؟!!

اخبرهم عن حصار غزة، لا تصاريح أيضاً هذا العام، تمتد يدي إلى تلك الشاشة الصغيرة، أتلمسها، اقترب أكثر لعلي أشاهد شيئاً لم أراه قبلاً، كم مرة علينا أن نتذوق طعم الشتات، حقنا يأبى النسيان، فكيف سينسى وطعم البعد في حلوقنا نتجرعه كل يوم، شتات.. شتات.. شتات، كل شئ له طعم من شتات..

اسرح بناظري بعيدا، أدور بالكاميرا، في أرجاء المنزل، فأمي تريد أن ترى كيف أصبح منزلي، تقف ابنتي لترسل قبلات المحبة لجدتها، فتذرف أمي دمعة لها، ثم دمعة لابنتي الصغرى التي لم تراها قبلا، وتختم حديثها " يا رب أشوفك وأشوف ولادك قبل ما أموت"

وأنا أهم بالرد سريعا" الله يطولي في عمرك يا رب"..لم تسمع، اردد ، أمي" الله يطولي عمرك يا رب"  ..الانترنت ضعيف.. أحاول الكلام، ولكن عبثا..قطع الاتصال...وأمي غابت عن الصورة.. دون أن تسمع دعواتي..

اخبار ذات صلة