لم يكن الصيف وقتها لاهبًا بحرارته المعتادة، بل تحول فجأة إلى ربيع بعد أن وصل بيت حانون شمال قطاع غزة "كيس نايلون" به "نطفة"!
ليس ظرفًا من البلاستيك بالنسبة لعائلة أبو صلاح فحسب، لا سيما وأن الجد "أسعد" شعر للحظة أن أصابع ابنه الأسير فهمي قد ملأت الفراغ بين أصابعه وعادا معًا إلى البيت بعد سنوات من الأسر!
إشهار لحظة وصول نطفة الأسير أسعد أبو صلاح عام 2012، وإشهار ثانٍ لحمل زوجته، وثالث لولادة الطفل "أسعد"، وآخر كان عبر الفيس بوك بمثابة صورة لتهريب الحياة من الأسر، كُتب أسفلها "حفيدي أسعد فهمي أبو صلاح يستلم أول شهادة".
صورني لبابا!
ابتسامة ابن الأربعة أعوام "أسعد" التي أخذت حيزًا صغيرًا من وجهه، أخذت حيزًا كبيرًا جدًا من قلب جده، لا سيما وهو ينادي عليه "سيدي جبت الشهادة".
حتمًا لن تتمكن حروف الضاد من وصف شعور الجد "أسعد" وهو يقول:" تخيلت ابني فهمي عاد من الروضة .. شميت ريحته ووصلتني فرحته لما استلم أول شهادة".
طلب الحفيد المتكرر أن يلتقط له الجد صورة بالشهادة ليرسلها لوالده الأسير، منعه دمعاتهم المتكررة، والتي استفزت الطفل أسعد وهو يتساءل أمام أهل جده "ليش كلكم زعلانين"!
كان السؤال الأصعب على عائلة أبو صلاح التي يُغيب اثنان من أبنائها وآخرين منذ عام 2008 في سجون الاحتلال أن تجيب تلك القطعة التي كبرت بينهم، أن "أهل الأسير حين يفرحون يبكون"!
طيلة التسعة أشهر أعلن الجميع حالة الطوارئ، لأن جزءًا من ابنهم الأسير فهمي يكبر الآن بينهم، أما "آخ يا راسي" من زوجة فهمي كان الجد يستدعي على إثرها طبيبًا أو اثنين، هو ذاك الإحساس المشترك بأن ابنهم سيخرج من السجن بدلًا من ذاك المولود الذي سيخرج من رحم أمه!
نبض يضخ الحياة!
النطفة باتت نبضًا يضخ الحياة في بيت عائلة أبو صلاح، ويخفف عنهم مرارة الـ 22 عامًا التي حوكم بها والده.
الطفل "أسعد" هو أول نطفة وصلت قطاع غزة، بعد عشرات الأطفال الذين أبصروا النور في الضفة بعمليات حمل اصطناعي، بعد أن استطاع آباؤهم، تهريب نطف من داخل سجون الاحتلال.
لم ينكر الجد "أسعد" أن أمر تهريب النطفة أخذ حيزًا من النقاش والشرح لأكثر من عام، وأن كثيرًا من الأهل والنسايب والجيران ظل امتعاضهم واضحًا حتى بعد أن وصلت النطفة وصار الحمل واقعًا!
لم يتحدث أبو فهمي كثيرًا عن تلك التفاصيل، أو بالأحرى لم نرد أن ننزع فرحته بشهادة حفيده باسترجاعها، الا أن تنهيدته التي تبعها:" الإشهار بحمل زوجة فهمي أصعب من إشهار زفافه" وضعنا بحجم المعاناة التي عايشتها العائلة.
رغم كل الظروف الأمنية المعقدة بدءًا بلحظة هروب النطفة من أصفاد الزنزانة، وليس انتهاء بتحفظ البعض لفكرة الانجاب عن بعد، استطاع أسعد أن يبث الأمل خلف أسوار السجن وداخله وقتَ التقاط الصورة الأولى له في حضن والده الأسير!
خمس دقائق فقط من وجود "أسعد" بين الأسرى كانت كفيلة بتشجيعهم على فكرة تهريب النطف للإنجاب، فحلم "بابا" بات واقعًا أمامهم حين نطق بها ابن فهمي لأول مرة!
يمازحهم اليوم الطفل أسعد متباهيًا ببطولاته بعد كل إنجاز أو احتفال أو حتى بعد استلامه شهادة الروضة الأولى لا سيما مع شقيقته الوحيدة "منى": "بابا مقدرش يطلع من السجن بعتني أنا"!