بخفة وحنكة يُجيد الجزار حامد حرب جرم اللحوم التي يعلقها بموازاة رأسه، فهي حرفة "تستر بيته" واعتاد عليها منذ ما يزيد عن 38 عاما.
حرب الذي فضّل الاحتفاظ بسكينه وساطوره بعد أن ورثها عن أجداده، لا يأبه بمتاعب المهنة التي تجبره على الوقوف لساعات طويلة على أقدامه، معبرا بابتسامة خفيفة أنه أصبح بينهما "عشرة عُمر" كما يحكي لـ"الرسالة".
ومع اشراقة كل صباح يرتدي الرجل الذي شارف عمره على الـ60 عاما مريوله الأبيض، قاصدا محله آخر شارع الجلاء، ليبدأ حتى ساعات متأخرة من المساء في بيع اللحوم لزبائنه.
وخلال محاولتنا العودة بذاكرة الجزار حرب الذي تميل بشرة وجهه للون القمحي، ذكر أنه أفاق على الدنيا وفي يده سكين بعد أن كان يصحبه والده قبل أن يتجاوز عمره الاثني عشر عاما إلى محل جده في سوق الشاطئ بغزة، خلال سبعينات القرن الماضي، وفق وصفه.
ولا يخفي محبته لمهنته أثناء حديثه عنها، حتى وإن كانت قد دفعته لترك مقاعد الدراسة رغم تفوقه وإنجازه الثانوية العامة بمعدل عال في الفرع العلمي، "غير نادم على حبي لها خاصة بعد أن أصبح حبًا وثيقا، وتنقلت خلال الأعوام الماضية من محل إلى آخر بحثا عن الرزق" يقول حرب.
ويضيف وهو يجرم كيلو من اللحوم لأحد زبائنه، "العديد من المهارات يجب أن يتقنها الجزار أبرزها القدرة على التعامل مع السكين وتجنب إيذاء نفسه وكذلك الساطور الذي يحتاج إلى قوة عضلات للتحكم به، إلى جانب تميزه بالصبر الكبير للاحتفاظ بزبائنه".
ويبدي الرجل قصير القامة امتعاضه من صعوبة الوضع الاقتصادي الذي دفع المواطنين للعزوف عن شراء اللحوم، واكتفاء بعضهم بشراء كميات قليلة، معتبرا أنه لا يوجد أي وجه مقارنة بين الاقبال على شراء اللحوم في السنوات المنصرمة وهذه الأيام.
ورغم تراجع أسعار اللحوم بشكل غير مسبوق، إلا أن الاقبال عليها بات ضعيفا، ويقارن الجزار قائلا " في الماضي كان سعر كيلو لحم العجل لا يقل عن 50 شيقلا لكن اليوم أصبح أقل من 35 شيقلا ولا يوجد اقبال".
ولا يمانع الجزار حرب من توريث مهنته لأبنائه السبعة ويفتخر في الوقت ذاته فيها، " ابني الأكبر تعلمها وهو الآن يدير محلا في سوق الشيخ رضوان، وأصغرهم يرافقني يوميا ويتعلمها رغم أنه أنهى دراسته الجامعية في الهندسة الكهربائية".
وفي نهاية حديثه لا يتمنى الجزار حرب شيئا سوى حفظ الله ورعايته و"الستر" من الباري، على حد تعبيره.