يحافظ الحاج أبو كمال العجرمي على سيارته القديمة منذ قرابة الأربعين عاماً، ويعتني بأدق تفاصيلها كأنها أحد أبنائه أو أكثر، مطلقاً عليها لقب "عزيزة"، فهي "ايدي ورجلي"، وفق قوله.
في شارع ضيق يملأه التراب الباهت، بحي الصفطاوي شمال مدينة غزة، يقطن العجرمي البالغ من العمر85 عاماً، في منزل يتشارك فيه العيش مع أبنائه وأحفاده الذين تجاوز عددهم الخمسين.
ولم تواجهنا أي صعوبة بتحديد منزل الثمانيني، بعد أن هدينا إلى عنوان الشارع الذي يقطنه، فثمة سيارة قديمة، لن تصادفك بسهولة في أحياء المدينة المحاصرة، مركونة أسفل نافذة، وتعتلي مربعًا صغيرًا من الخرسان، مغطاة بقطعة قماش بإحكام، ليجيب لنا المشهد عن أول الأسئلة التي أردنا أن نطرحها على أبو كمال كيف له أن يحتفظ بسيارته منذ العام 1976.
بابتسامة عريضة استقبلنا العجرمي، ليقص لنا مشواره مع سيارته ذات اللون الأزرق، والتي أطلق عليها اسم "عزيزة" منذ أن دخلت خدمته قبل 41 عاماً، وما زالت حتى اللحظة تؤدي دورها على أكمل وجه، واصفاً إياها باللغة العامية "هذه إيدي ورجلي"، لا سيما أنها توصله برفقة زوجته أم كمال إلى جميع الأماكن التي يقصدوها.
يحدثنا الحاج المنحدر من مدينة بئر السبع المحتلة، بأنه حصل على سيارته المصنعة من شركة فيات الإيطالية عام 1964م، بثمن غال، بعد أن طلب شراءها من أحد زملائه في العمل والذي جلبها له أبناؤه المقيمون بدولة الكويت آنذاك، ووافق الأخير على بيعها له ب 15 ألف ليرة "إسرائيلي"، ولم يتردد العجرمي بشرائها رغم أن ثمنها في ذلك الوقت كان يكفي لدفع تكاليف زواج 15 شابًا بالكامل.
يجيب الذي ملأت التجاعيد وجهه، عن الطريقة التي مكنته من الاحتفاظ بها طيلة الأربعة عقود الماضية، بشيء من التفاصيل، ويخبرنا أنه يعاملها معاملة الإنسان المملوءة بالرحمة، وتحت القاعدة الربانية" ألا يحملها ما لا طاقة لها به"، حتى بلغ به الأمر أنها حجزت مقعداً في قلبه كأنها واحدة من أبنائه.
لم يسمح صاحب البشرة السمراء لأحد أن يقود "عزيزة" غيره منذ أن اشتراها، ويكشف لنا أنه رفض عرضاً من أصغر أبنائه حين تزوج قبل أيام، بأن يزف فيها، وذلك خوفاً من أن يصيبها العطل أو يقودها شخص غيره، ورغم إلحاح جميع أبنائه عليه، إلا أن حجته كانت بأن قيادتها صعبة وتحتاج أن تكون خبيراً بها، فهي مختلفة تماماً في طريقتها عن السيارات الحديثة، ما دفعهم لقبول رفضه.
الحفاظ على المقتنيات القديمة من أهم الأولويات لدى أبو كمال، فلا تعد السيارة الوحيدة الإرث القديم الذي يقبع في ممتلكاته، بعد أن عرض لنا نقود قديمة، احتفظ بها منذ العام 1958م، وغيرها من القطع التي بدأت تصنف في خانة الأثار.
وعن الأعطال التي ضربت "عزيزة" خلال الأربعين عام المنصرمة، كان العام 1992م، آخر الأعوام التي قام فيه بصيانة محركها، وأجبر عام 2011على تجديد دهانها بنفس لون الشركة الأصلي، حتى يحافظ على جمالها، مبيناً انه يلتزم بتجديد الرخصة والتأمين لها في الوقت المحدد.
وفي العادة ما إن يسمع أحفاد أبو كمال صوت تشغيل سيارته القديمة، يذهبوا إليها مسرعين ليصحبهم إلى مشواره الذي عادة ما يكون إلى السوق أو محطة الوقود، ويختم صاحب القامة الطويلة حديثه مع "الرسالة" بأن أولى وصاياه لأبنائه كانت ألا يبيعوا "عزيزة" بعد وفاته، مهما كان الثمن"، وأن يحافظوا عليها كما كان يفعل، فهو لا يريد أن تكون تحت قيادة شخص غريب ولو بعد 100 عام.