رغم كل المحاولات التي تبذلها (إسرائيل) لطمس الهوية العربية في القرى الفلسطينية التي احتلتها، إلا أن العراقة العربية والأصالة تبقى متجذرة بها رغم سيطرتها الكاملة عليها، كما الآثار في قرية "أم خالد".
وأم خالد قرية من قرى فلسطين التي احتلت عام 1948 وتتبع قضاء طولكرم، تبعد 14 كيلومترًا عن مدينة طولكرم في الضفة الغربية، وباتت اليوم أطلالًا بعد أن امتدت فوقها أراضي مستعمرة نتانيا.
تحدثت "الرسالة" مع المتجول "أحمد صدقي" والذي يعتبر أن التجوال في قرى فلسطين ومدنها ليس هواية فحسب، بل واجب عليه أن يتعرف على أسرار فلسطين من خلال أماكنها التي تعاني الاندثار والإهمال، "خلال تجوالي أكتشف كثيرًا من الأشياء التي أجهلها عن القرى والمدن ونكتشف عادات الفلسطينيين والأهم نعرف بشاعة الاحتلال من خلال تدميره لبعض الأماكن".
شجرة الجميز التي استراح تحتها نابليون عند عودته خاسرًا من حصار عكا، كما جذعها السميك الذي يحتاج إلى ستة رجال ممسكين بأيديهم حتى يحيطون به، هي أكثر الذكريات التي كان يحدثه أبوه وجده عنها.
يحكي: " حين تحطم كبرياء نابليون على أسوار عكا، عاد وجنوده من طريق قرية أم خالد ومحوا القرية بحرقها بسبب القهر الذي أحاط بقلوبهم".
أقوال كثيرة ترددت على ألسنة كبار السن الذين كانوا يقطنون فيها، عن سبب تسميتها بأم خالد، يحكي: "كان جدي يحدثنا أن هناك امرأة صالحة سكنت القرية تكنى بأم خالد"، كما يقال أنها سميت هكذا نسبة الى ام خالد بن الوليد القائد العربي الشهير، الملقب بـ "سيف الله المسلول"، الذي اشترك في فتح فلسطين، في معركتي "اليرموك" و"أجنادين"، عام 636 م.
ورغم كل محاولات الحرق والاحتلال، إلا أن هناك آثار باقية فيها تشهد على ماضيها العريق، كالقلعة الصليبية "روجر الوباردي" وهو القائد الصليبي من ايطاليا.
كما أن مسجد "أم خالد" بمحرابه ما زال منتصبًا شامخًا في القرية كما هو، حتى وإن ضم إلى كنيس يهودي، عدا عن مجموعة من بيوت "ام خالد" العربية التي بقيت شاهدة على أصالتها، إلا أن سكانها قادمون جدد من أصقاع الأرض كافة.
على تل من الحجر الرملي تنهض قرية "أم خالد" على بعد أقل من كيلو مترين عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط، يسترسل "أحمد": " وكان موقع القرية يشتمل على حصن روجر اللومباردي الذي بناه الصليبيون".
بشكل مستطيل كانت قرية "أم خالد" تنتصب على مساحة تمتد من الشمال إلى الجنوب، وكانت منازلها مبنية بالحجارة والطين ومتجمهرة بعضها قرب بعض تفصل أزقة ضيقة بينها، كما يقول، وبحسرة يكمل: " كانوا يسمون قرية أم خالد بالقرية المزدهرة، مشيرين إلى بساتين الشمام الكثيرة غربي القرية".
سعي القوات الإسرائيلية إلى احتلال القرية لم يأتِ عبثًا، يتابع "صدقي": "نظرا لأهمية ام خالد الاستراتيجية، كونها تقع على الساحل الفلسطيني، وفي قلب الشارون، وسط البلاد، سعوا إلى احتلالها، في وقت مبكر، من عام 1948".
يختم "صدقي" حديثه الذي وصفه "بالموجع" بالنسبة له، حيث الألم يعتصر قلبه حين يتذكر كم من الظلم الإسرائيلي الذي نال من قرية أجداده، يحكي: "من أكثر الأشياء التي تستفز جدي وجدتي وكبار السن عامة من المهجرين من هذه القرية هو اسمها العبري فهم وبالرغم من أنهم يؤمنون بعربيتها وأصالتها إلا أن القهر يمزق قلوبهم بسبب اسمها العبري المتداول بين الجميع الآن وهو نتانيا".
ويتابع: "بقيت بعض المنازل فيها وهي تستعمل للسكن أو لأغراض تجارية كمستودعات لشركات إسرائيلية أما الأراضي المجاورة فقد غرست شجر حمضيات".