تجددت أزمة النظافة في مرافق وزارة الصحة الفلسطينية بغزة للمرة الثانية في غضون شهر، مما ينبئ بكارثة إنسانية متوقعة خلال الأيام المقبلة، في حال لم تتدارك حكومة التوافق الأزمة بصرف المستحقات المالية لشركات النظافة، والتي بلغت خمسة ملايين شيكل.
وظهرت الحكومة بلباس المنقذ في نهاية ديسمبر الماضي بصرفها دفعة مالية لشركات النظافة والتغذية رغم أن ذلك من صلب عملها في حل أزمات قطاع غزة بعد توليها مسؤوليات القطاع، وأعلنت آنذاك ان المبلغ المالي المقدر بمليون وثمانمائة ألف شيكل يشكل دفعة أولى، إلا أنه لم يتبعها أي دفع مالي مما أوصل الشركات إلى مرحلة الإضراب الكامل مجددا.
ويبدو واضحا أن التحرك الحكومي في ذلك الحين كان بناءً على الضغط الإعلامي الذي رافق إضراب الشركات، حيث أدى إلى إيجاد رأي عام غاضب على الحكومة، لتجاهلها أزمات مستشفيات غزة، إلا أن الأزمة عاودت للظهور على السطح مجددا.
وفي المقابل، كشفت مصادر من وزارة الصحة وشركات النظافة عن أن الحكومة لم تعد تستقبل اتصالات الجهات المعنية بحل الأزمة التي بدأت تظهر نتائجها على الواقع الصحي بغزة، بعد أن أعلنت وزارة الصحة وقف العمليات الجراحية في مجمع الشفاء الطبي بصفته أكبر مرفق صحي في قطاع غزة.
وفي تفاصيل الأزمة، قال المتحدث باسم شركات النظافة أحمد الهندي، إن الشركات اضطرت اللجوء للإضراب الشامل في العمل مجددا رغم علمها بآثاره السلبية نتيجة عدم صرف الحكومة لمستحقاتهم المالية للشهر الخامس على التوالي، والتي بدونها لا تستطيع الشركات مواصلة عملها.
وأضاف أن الحكومة صرفت مبلغا ماليا نهاية العام المنصرم على أن يستكمل في غضون وقت قصير، إلا أن ذلك لم يحدث، وتم التنكر للاتفاق الذي جرى في ذلك الحين، وعلى إثره جرى تعليق الاضراب، مشيرا إلى أن الشركات لن تقبل بأي حلول جزئية إلى حين التزام الحكومة بتحويل كافة المستحقات وبشكل دوري دون تأخير.
وأوضح "للرسالة" أن الحكومة مدينة لشركات النظافة بنحو 4 ملايين شيكل، بواقع نحو مليون شيكل شهريا، أما مديونيتها لشركة التغذية فتبلغ مليونين و300 ألف شيكل، محملا الحكومة مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع الصحية في قطاع غزة خلال الأيام المقبلة.
وشدد على أن الحكومة ما عادت تستقبل اتصالات الشركات خلال الأسابيع الماضية التي تلت صرف الدفعة المالية الأولى.
ومن المتوقع ان تلحق شركات التغذية بالإضراب خلال الأيام المقبلة بعد تراكم المستحقات المالية التي تنتظرها من الحكومة، ما تسبب بعجز مالي يحول دون استكمال أعمالها في عدد من المستشفيات في غزة وشمال قطاع غزة.
وعن انعكاسات الأزمة على الواقع الصحي بغزة، قال المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة إن توقف شركات النظافة عن العمل تسبب بحالة من الإرباك في مرافق وزارة الصحة، وأثر بشكل سلبي وواضح على تقديم الخدمات الصحية للمرضى في 13 مستشفى وعشرات المرافق الصحية الأخرى.
وأوضح القدرة أن عدد العاملين في قطاع النظافة يبلغ 832 عاملًا، حيث لم يتلقوا رواتبهم منذ 4 شهور، وتبلغ قيمة التعاقد الشهري لخدمات النظافة 943 ألف شيكل (11.3 مليون شيكل سنويًا)، مشددا على أن توقف الخدمات سيكون له تداعيات خطيرة على الخدمات الصحية كافة، لأن خدمات النظافة تقدم في 13 مستشفى و54 مركزا للرعاية الأولية و22 مرفقا صحيا آخر في الوزارة.
ويبين أن التوقف سيحرم يوميًا إجراء 200 عملية مجدولة للمرضى، في 40 غرفة عمليات جراحية و11 غرفة ولادة قيصرية، وسيؤثر على الخدمات الصحية لنحو 100 مريض في العنايات المركزة و113 طفل في حضانات الاطفال.
وسيؤثر على الخدمات الصحية لـ 702 مريض بالفشل الكلوي في 5 مراكز للغسيل، وعلى الخدمات الصحية لمئات المرضى المُنوّمين في أقسام المستشفيات وأكثر من 200 سيدة في "أكشاك" وأقسام الولادة، وفق القدرة.
كما سيؤثر على الخدمات الصحية في 11 بنكا للدم و50 مختبرا طبيا تجري فيها آلاف التحاليل الطبية وعمليات نقل الدم ومشتقاته للمرضى يوميًا.
وفي نهاية المطاف، تبدو الحكومة معنية ببقاء قطاع غزة غارقا في أزماته، بعدم الاكتراث إلى الحلول المطروحة في شتى الملفات، مما يستدعي موقفا وطنيا يوقف التدهور الحاصل في الأوضاع الإنسانية والصحية في القطاع.