يمر اليوم الخميس شهر على آخر اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني في 15 يناير الماضي، الذي جدد فيه قرارا سابقا اتخذه في دورة عام 2015، بوقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع الاحتلال الإسرائيلي.
ورفع المجلس في حينه سقف التحدّي ضد الاحتلال بجملة قرارات تؤشر إلى وصول العلاقة إلى مرحلة حرجة على ضوء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، وأهمها تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتعليق الاعتراف بـ (إسرائيل)، التي قررت بدورها المناورة و"شراء الوقت" من خلال إعلان تشكيل "لجنة عليا" لمتابعة وقف التنسيق الأمني!
أثناء هذه المدة الزمنية القصيرة (شهر) مقارنة بعمر التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال، تراكمت مجموعة شواهد ومواقف كشفت عن تكرار "سيناريو الخداع"، وأن دوام العلاقة يتصل باستمرار التنسيق الأمني، الذي يعدّ أحد أهم بنود اتفاق أوسلو 1993، وهذه المواقف هي:
- إعادة أمن السلطة سلاح مجندة إسرائيلية استولى عليه شبان فلسطينيون خلال تسللها إلى مدينة جنين، برفقة جندي. وقد امتدح وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان هذا الفعل، وقال "إن التنسيق الأمني يؤتي ثماره التي بدت جليّة في جنين، ولولا لما انتهى الحدث بهذا الشكل".
- كشف أمن السلطة وتعطيله 12 عبوة ناسفة كانت منصوبة على إحدى الطرقات شمال طولكرم، قيل إنها كانت تستهدف قوات الاحتلال التي تتحرك في المنطقة.
- إعلان كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بأن أجهزة أمن السلطة قدمت "طرف خيط" لجيش الاحتلال؛ من أجل الوصول إلى المطارد الشهيد أحمد نصر جرار.
- رصد المنظمة العربية لحقوق الانسان في بريطانيا، إفادات لناشطين يؤكدون تورط أمن السلطة في التجسس عليهم، وتسليم المكالمات إلى "الشاباك الإسرائيلي" لعرضها أثناء التحقيق.
- استمرار الاعتقالات السياسية التي تستهدف بدرجة أولى عناصر حماس وكوادرها بالضفة. رغم المضي منذ 12 أكتوبر الماضي في مباحثات مصالحة برعاية مصرية، تناولت ضمن أهمّ ملفاتها، ملف الحريات السياسية.
أول دلالات هذه الشواهد، هي صوابية قرار الفصائل الفلسطينية التي امتنعت عن المشاركة في اجتماع "المركزي" الأخير، لعلمها أن قراراته لن تتجاوز السقف السياسي للسلطة الفلسطينية، كما أنها تضع الفصائل التي دافعت عن قرار المشاركة، في حرج أمام الشعب، بوصفهم "شهود زور" على حالة ومحطة سياسية كانت تستدعي مواقف حقيقية شجاعة.
كما يثبت هذا الأمر زيف الخطاب السياسي للسلطة الذي تحدّث عن "قرارات مصيرية" لمواجهة ترمب، فاستمر التنسيق الأمني، ولم ترفع العقوبات عن قطاع غزة، وهي في أساسها إجراءات كان من شأن التعامل معها وطنيا، أن تصبح أقوى رد فعل سياسي فلسطيني كان يمكن أن تتلقاه الإدارة الأمريكية، والاحتلال.
ولعلّ الخطورة تكمن في أن مخالفة قرارات المجلس المركزي تعني مواصلة تجاوز وتجاهل التوافق الوطني الفلسطيني، وهو استمرار لنهج رئيس السلطة محمود عباس الذي ينفرد بالقرار الفلسطيني رغم أنه منتهي الصلاحية بصفته رئيسا منذ عام 2009. واستمرار هذا الأمر يعكس خطورة وخللا سياسيا يتجاوز خطورة التنسيق الأمني ومكائده.
ثم إن تجاوز الإجماع الوطني المتمثل في جسم "المركزي" يعني تهميشا لثاني أهم مؤسسة في منظمة التحرير، فالمجلس لم ينعقد منذ مارس 2015، رغم أنه من المفترض أن يجتمع مرة كل شهرين على الأقل، بدعوة من رئيسه، كما أنه بات يُعقد تحت "حراب الاحتلال"، حيث إن جميع اجتماعاته في ظل ولاية عباس عقدت في رام الله، التي باتت مقر اجتماعات المركزي للدورة 12 على التوالي منذ عام 2003. وكل ذلك نتيجة للسلوك السياسي القاصر لأبو مازن، والذي قاد إلى تراجع دور المنظمة ومؤسساتها على حساب السلطة.
إن استمرار التنسيق الأمني في ظل "صفقة القرن" التي تستهدف القضية الفلسطينية، هو خداع للذات سيصيب صاحبه لاحقا.