أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الجمعة الماضية، نقل سفارتها إلى القدس في 14 مايو/أيار المقبل؛ تنفيذا لإعلان الرئيس ترمب في 6 ديسمبر الماضي الاعتراف بالمدينة عاصمة لـ (إسرائيل). ويتزامن تاريخ النقل مع الذكرى السبعين لقيام الكيان الإسرائيلي؛ وهو الأمر الذي لم تتحرج المتحدثة باسم الخارجية الإعلان عنه.
قوبل هذا الإعلان بترحيب إسرائيلي على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أثنى على "قيادة وصداقة ترمب"، واعتبر أن القرار "سيحوّل الذكرى السبعين لاستقلال إسرائيل إلى احتفال وطني أكبر"! في المقابل، سارعت قيادة السلطة الفلسطينية إلى اعتبار القرار "استفزازا للعرب"، وأكدت مرة أخرى أن "إدارة ترمب باتت تشكل عائقا أمام السلام".
جاء الإعلان على عكس ما كان مرجّحا بإمكانية أن يتراجع البيت الأبيض عن قراره؛ على ضوء ردود الفعل الواسعة المنددة به، أو أن تطول تحضيرات النقل ضمن تفكير بهروب ناعم من التنفيذ. ولم يكن في الحسبان إعلان هذه الخطوة المتسارعة بعد 3 شهور من الاعتراف. بل جاء صادما بمزامنته مع ذكرى قيام (إسرائيل). ويمكن القول إن ست حقائق تقف خلف اختيار هذا التاريخ، هي:
- إعلان ولاء من ترمب لـ (إسرائيل)، وهدية لها في "يومها الوطني"، وهو بذلك يريد إظهار أنه صادق في وعوده نحوها، والأقدر على الإيفاء بها، وفي الوقت نفسه، يريد كسب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، عبر تحقيق سبق تاريخي لـ (إسرائيل)، يخدمه في بقاءه رئيسا في ظل التحديات الداخلية، وفي مقدمتها التحقيقات بتدخل روسي في الانتخابات.
وقد أشار إلى ذلك وزير الاستخبارات الإسرائيلي "إسرائيل كاتس"، حين كتب على تويتر مخاطبا ترمب: "لا يمكن أن نتلقى هدية أفضل من ذلك"!
- اعتماد تواريخ محددة من إعلان الاعتراف في (6 ديسمبر)، ثم موعد الكشف عن صفقة القرن (نهاية مارس)، حتى تاريخ نقل السفارة (14 مايو) يؤشر إلى أن ردود فعل العالمين العربي والإسلامي ضد اعترافه بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، لم تكن بنظر ترمب ردودا خطيرة بدرجة تدفعه إلى التراجع عن قراراته، لذلك نجده ماضيا في التنفيذ بخطوات متسارعة، تؤكد ما صرّح به سابقا في خطاب الاعتراف حين قال "إنه اتخذ قرارا تأخر كثيرا".
- استفزاز مقصود لمشاعر الفلسطينيين، الذين يحيون في اليوم نفسه الذكرى السبعين للنكبة، التي طردوا فيها من أراضيهم وممتلكاتهم، وهذا يعني أن ترمب لا يعترف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وأن تعمّد اختيار هذا التاريخ هو امتداد لقراره الأخير بخفض التمويل وتقليص الميزانيات التي ترصدها واشنطن لوكالة الأونروا، إلى النصف، إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر مانح لـلأونروا، وتحوّل 300 مليون دولار سنويا إلى خزائنها.
- وجود تنسيق عالٍ بين واشنطن و(تل أبيب) في الإعداد لصفقة القرن، واتفاق مشترك على أن الوقت يعتبر الأمثل لإنهاء القضية الفلسطينية، التي كانت تعتبر حتى وقت قريب عائقا أمام التطبيع العربي مع (إسرائيل)، وبالتالي، فإن هذا الإجراء يعتبر جزءا من الصفقة.
- عدم صلاحية استمرار الولايات المتحدة وسيطا في عملية التسوية، باعتبار أنها باتت تقود حربا ضد الفلسطينيين نيابة عن (إسرائيل)، وتتبنى مبدأ أن أي حل سياسي لابد أن يرضي (تل أبيب). أو كما قال أمين سر منظمة التحرير صائب عريقات في تصريح لفرانس برس: "إن إدارة ترمب عزلت نفسها كليا، وأصبحت جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل".
- إدارة ترمب لا تقيم أي اعتبار سياسي للسلطة الفلسطينية، وأن كل ما يصرّح به قادتها ليس ذا قيمة لدى البيت الأبيض، وتحديدا الرئيس محمود عباس الذي يدير "حربا كلامية" عبر المنابر العربية والدولية، وكان آخرها خطابه في مجلس الأمن الذي وصل به اليأس إلى معاتبة الأمم المتحدة قائلا: "لمن نذهب وقراراتكم لا تنفذ؟".
- تواصل واشنطن ضرب القانون الدولي بعرض الحائط، ولا تقيم وزنا لعشرات القرارات الدولية الخاصة بالوضع القانوني لمدينة القدس، وهي بذلك تريد إيصال رسائل للمجتمع الدولي بأن "ما تريده الولايات المتحدة يريده القانون" وليس العكس. وهذا يظهر مستوى العجز الأممي، الذي يبرهن عدم حاجتنا إلى قوانين وقرارات دولية جديدة، وأن السير نحو ذلك، هو مضيعة للوقت، إذا لم تتوفر الإرادة الدولية الجادة لتنفيذ ما سبق إقراره.
رغم ذلك، فإن الفلسطينيين، وتحديدا السلطة في رام الله، لا يزالوا يملكون ما يعاقبون به ترمب على انحيازه، فكلمة السر تكمن في دعم انتفاضة القدس من أجل رفع كلفة القرار الأمريكي وكلفة الاحتلال الإسرائيلي أيضا، بموازاة إعادة الاعتبار لقرارات المجلس المركزي الأخير، وخاصة وقف التنسيق الأمني، "فإذا ما مرّ قرار نقل السفارة، فسيأتي رئيس أمريكي يقرر بناء الهيكل"، وفق تعبير أحد المراقبين.