يبدو أن شاحنات البضائع المصرية العابرة لغزة عبر بوابة صلاح الدين تحمل في طياتها رسائل سياسية شديدة اللهجة للسلطة الفلسطينية التي ما زالت تعرقل قطار المصالحة، عاكسة بذات الوقت توجهاً مصرياً لتحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة ولو بصورة جزئية.
وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها "الرسالة" على أن الرسالة المصرية وصلت بشكل واضح إلى مسامع السلطة التي سارعت لاتخاذ عدة خطوات على اتجاهين، الأول يتعلق بمسايرة الجهد المصري بإرسال وفد حكومي بشكل عاجل إلى قطاع غزة تزامنًا مع وصول الوفد الأمني المصري، وفي الاتجاه الثاني حاولت إيقاف عمل البوابة المصرية الجديدة مع غزة، عبر اتصالات أجرتها مع التجار وفقًا لما أكده أحد أبرز رجال الأعمال في غزة.
وأضاف رجل الأعمال الذي رفض الكشف عن اسمه أن السلطة أجرت اتصالات مكثفة على مدار الأيام الماضية بعشرات التجار تطالبهم بعدم إدخال أي بضائع إلى قطاع غزة عبر بوابة صلاح الدين، وإلا سيفقدون سجلاتهم التجارية والتنسيقات الممنوحة لهم لإدخال البضائع عبر معبر كرم أبو سالم المدار من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
والغريب هنا أن حكومة حركة فتح برئاسة رامي الحمد الله تنبهت للتواصل مع الجهاز الحكومي بغزة عند شعورها بخطورة الموقف، إذ اتجهت للاتصال بمسؤول ملف الأمن بغزة اللواء توفيق أبو نعيم وكيل وزارة الداخلية لمنع إدخال البضائع التي تمر عبر الحدود بين مصر وغزة دون المرور بمعبر رفح الذي تسيطر عليه السلطة منذ مطلع نوفمبر الماضي، ووفقا لتصريحات مأمون أبو شهلا وزير العمل الذي أكد اتصاله باللواء أبو نعيم بهدف إيقاف إدخال البضائع المصرية.
وقال أبو شهلا في تصريح لوكالة (سوا) المحلية أنه اتصل باللواء أبو نعيم بتوجيهات من رئيس الوزراء، بعد قيام مجموعة من المسلحين بإخراج بضائع قادمة من مصر عبر معبر غير رسمي، دون استيفاء الرسوم الجمركية، مشيرا إلى أنه قبل 3 أسابيع، وصلت رسالة من مدير الجمارك في معبر رفح إلى وزير المالية شكري بشارة، وأخبره فيها بأن هناك بضاعة وصلت من مصر، فقامت دائرة الجمارك بالتجهيز لاستقبالها وعمل الإجراءات الجمركية لها.
وتكذيباً لما سبق، قال مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد بغزة لـ"الرسالة": إن إدارة معبر رفح التابعة لحكومة حركة فتح رفضت إدخال أي بضائع مصرية قادمة عبر معبر رفح كما كان العمل قبل تسلم الحكومة في الأول من نوفمبر الماضي.
وحرصًا من الحكومة على عدم إعطاء صفة شرعية لوكلاء الوزارات بغزة، قال أبو شهلا إنه تواصل مع أبو نعيم "من باب المودة"، وأخبره أن هذا الأسلوب لا يجوز، مشيرًا إلى أن الحديث "كان وديًا وإيجابيًا"، مردفًا بقوله: "أخبرني أنه سيحقق في الموضوع، وأنهم لا يوافقون على هذا الشيء، لكن لم أتلق ردًا حتى الآن كوني خارج البلاد".
ويأتي هذا التحرك العاجل من السلطة لاستشعارها خطورة الخطوة المصرية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ففي الأولى يمكن لهذه الخطوة أن تقلل حجم الواردات من معبر كرم أبو سالم وبالتالي تضعف المقاصة التي تتقاضها السلطة مقابل البضائع الواردة لغزة، ويشار هنا إلى أن كميات البضائع الواردة نقصت في الأشهر الأخيرة؛ بسبب ضعف الحركة التجارية بغزة إثر عقوبات رئيس السلطة محمود عباس منذ ابريل المنصرم، وفي الاتجاه السياسي يمكن للخطوة المصرية أن تضعف عقوبات عباس، وتحل الأزمة المالية في غزة خصوصًا، إنْ أصبحت الحركة التجارية في الاتجاهين في وقت لاحق.
وفي تفاصيل العمل التجاري الجديد، أوضح المصدر الحكومي أن ما يجري جاء استكمالًا لنشاطات تجارية سابقة كانت تتم عبر معبر رفح قبل تسلم حكومة فتح لأعمالها في غزة، إلا أن النشاطات توسعت لتشمل أصنافًا جديدة، وبدأت بالمرور من الجهة المصرية من معبر رفح باتجاه الحدود الفاصلة بين غزة ومصر، لتخرج عبر بوابة صلاح الدين.
وأضاف المصدر في وزارة الاقتصاد أن القطاع الخاص يتطلع إلى نشاط في الحركة التجارية في غزة اعتمادًا على التطورات السياسية التي أدت لمعاودة إدخال البضائع، مؤكدًا على أن البضائع تشترى من قبل تجار غزة، عبر شركات مصرية، ويتم توريدها بشكل رسمي، ووفقاً للقوانين.
وبيّن أن أبرز الأصناف التي وصلت غزة خلال الأيام الماضية عبر أربع دفعات متتالية تمثلت بالحديد، والأسمنت، والأخشاب والدخان، والدهانات، والفواكه والخضروات، عدا عن المحروقات لمحطة توليد الكهرباء ومحطات التوزيع للمركبات وغيرها.
يشار إلى أن اعمال التوسعة الحكومية لمكان مخصص لاستقبال البضائع المصرية ما زالت جارية منذ أسبوع في منطقة مجاورة لمعبر رفح، وكذلك تجهيز مكان خاص باستقبال المحروقات المصرية التي تدخل حاليا بواسطة معبر رفح البري كما كان العمل مسبقا.
وفي التأكيد على أنها رسالة إيجابية لصالح غزة، أكد عبد اللطيف القانوع المتحدث باسم حركة حماس، أن إدخال البضائع من مصر الى قطاع غزة، يؤكد الإصرار المصري على التخفيف من معاناة سكان قطاع غزة.
وقال في تصريحات صحفية "وفق ما تم الاتفاق عليه وما استمعت إليه قيادة حماس في اللقاءات مع الأشقاء المصريين، فإن هناك وعودات مصرية بتوسيع الحركة التجارية في معبر رفح، ودخول السلع التي يحتاجها شعبنا الفلسطيني"، مضيفا "أن إدخال البضائع لغزة هو إحدى ثمار الجهود المصرية واللقاءات المتوالية التي تجريها قيادة حركة حماس في القاهرة".
وفي التعقيب على ذلك، قال مدير دائرة الدراسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد د. أسامة نوفل: "إن النافذة التجارية الجديدة مع مصر تمثل "تنفسيا" للوضع الاقتصادي السيء في غزة، من شأنها أن تحرك بعض النشاطات التجارية، وتغطي العجز في بعض المواد التي لا يسمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخالها عبر معبر كرم أبو سالم".
وأوضح نوفل في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن النافذة التجارية من شأنها أن تزيد الإيرادات الحكومية في غزة، وهذا ما سينعكس إيجابيا على الوضع المالي العام في غزة، متوقعًا أن تتحسن الحركة التجارية مع مصر في حال السماح بالاستيراد والتصدير، وتوسعة قوائم المواد المسموح بإدخالها وكذلك الكميات الواردة لغزة.