عكس الحراك الأمريكي الأردني لتهدئة الشارع الفلسطيني المنتفض التهميش الواضح للسلطة الفلسطينية، عبر التعامل مع الأردن على أنها الجهة المسؤولة عن عقد الترتيبات مع الإسرائيليين، في المقابل، تقوقعت السلطة في خانة البحث عن مكاسب شكلية في حال تمكنت من التصدي للموجة الثورية القائمة.
والملاحظ أن الحالة الثورية المتمددة في المناطق الفلسطينية تمثل كابوسا للسلطة، لصعوبة إقناع الجماهير بوقف انتفاضتها، طالما لم تتحقق مطالبها.
وفي ظل استمرار التعنت الإسرائيلي، تصبح السلطة بين سندان الضغط الدولي، ومطرقة الضغط الشعبي، ولكن فيما يبدو فإنها "لن تطول بلح الشام ولا عنب اليمن".
وتبدو السلطة في تعاملها مع الوضع الأمني الراهن كمن يلعب بالنار، فهي لم تأخذ -حتى اللحظة- أي قرار لدعم الانتفاضة أو صدها، ومرّد ذلك -حسب المراقبين- يعود إلى تخوفها من رد الفعل الإسرائيلي حال دعمت الانتفاضة، بينما يزداد ذلك التخوف من رد الفعل الفلسطيني حال قررت صد الجماهير المنتفضة في شوارع الضفة المحتلة.
تعامل السلطة مع الحالة القائمة يعطي انطباع وكأنها طرف محياد، وهذا ما يظهر جليا من أحاديث قادة السلطة وعلى رأسهم محمود عباس الذي قال في حديثه أمس في جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان: "الهبة الغاضبة والاحداث المتتالية هي النتيجة الحتمية لما حذرنا منه وعرضناه سابقا من جرائم وعدم نجاح المجتمع الدولي في رفع الظلم".
وفي هذا السياق، يرى عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح أن السلطة في وضع لا تحسد عليه، فلا هي قادرة على إيقاف الانتفاضة كما تريد (إسرائيل)، وكذلك من المستحيل أن تجرؤ على دعمها ولا بأي شكل من الأشكال.
واعتبر قاسم تهميش وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للسلطة في جهوده لتهدئة الأوضاع "ضربة مزدوجة" حيث تريد أمريكا "قرص أذن" السلطة، ومن ناحية أخرى لتأكيد درايتها أن السلطة لا تستطيع السيطرة على الشارع الفلسطيني المنتفض.
وفي التردد الواضح الذي تبديه السلطة حيال الانتفاضة، عزا قاسم ذلك إلى عدة أمور أهمها العشوائية الظاهرة في مواقف السلطة خلال الفترة الماضية، من خلال تصعيد لغة الحديث الإعلامي مع عدم اتجاهها للتغيير في جوهر العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي وجهة نظر أخرى، اتجه المحلل السياسي طلال عوكل إلى وصف السلطة بأنها "حجر أساس" في حال رغبة أي طرف التدخل لتهدئة الشارع الفلسطيني، نظرا لتوصيفها القانوني كممثل للشعب الفلسطيني، عدا عن سيطرتها على مناطق الاحتكاك في الضفة.
ويرى عوكل أن مواقف السلطة الحالية تدفع في اتجاه استمرار الحالة الثورية القائمة بشكلها الحالي دون زيادة، بعيدا عن كل ما يتعلق بالكفاح المسلح، مستدركا أنه لا ينبغي أن توضع حدود لانتفاضة شعب له مطالب مشروعة.