قائد الطوفان قائد الطوفان

غزة على جبهتين.. نقص أدوية وتراكم أخرى!

د. البرش: التنسيق المسبق مع الوزارة ينهي المشكلة

1000 كفن في قافلة مساعدات عربية لأطفال غزة!

د. خلف: يجب أن تكون الأدوية أولوية للمتبرعين

الصحة العالمية: نسبة كبيرة من المساعدات منتهية الصلاحية

غزة-محمد أبو قمر

في الوقت الذي تزداد فيه قائمة الأدوية التي تفتقر إليها مستودعات وزارة الصحة، تتكدس بعض الأصناف المنتهية الصلاحية أو التي لا حاجة للوزارة بها.

مفارقة عجيبة ولدها الحصار الإسرائيلي وتقاعس سلطة فتح في رام الله عن إرسال نصيب غزة من الأدوية، مما حال دون وصول ما يحتاجه ذوو الأمراض المزمنة، وذلك بالتزامن مع حملات إغاثة جماهيرية تحمل الدواء للقطاع دون علم باحتياجات المرضى.

وفي مثال على عدم التنسيق مع الوزارة في إرسال المساعدات فقد وصلت قافلة من دولة عربية شقيقة تحمل مساعدات كانت عبارة عن 10,000 كفن بأحجام مختلفة منها 1000 كفن للأطفال! بالإضافة إلى أدوية لأنفلونزا الخنازير تنتهي صلاحيتها مطلع العام المقبل!

إتلاف الأدوية

وتصدرت مشكلة الأدوية الفاسدة وكيفية التخلص منها ملفات وزارة الصحة في الفترة الأخيرة، ويقول الدكتور منير البرش مدير عام الصيدلة أن وزارته تنشر احتياجاتها من الأدوية والمستلزمات الطبية عبر موقعها الالكتروني".

وتؤكد الوزارة على جميع المتبرعين بضرورة التواصل معها لتحديد أصناف الأدوية ، حيث يشير البرش في حديثه "للرسالة" إلى أن أية مؤسسة تتواصل معهم يطلبون منها الالتزام باحتياجات القطاع من الأدوية ، ويزودونها بقوائم رسمية بذلك.

لكن البرش وصف ما يصل غزة من أدوية بالفائض عن حاجتها لافتا إلى أنه اجتهاد من قبل المؤسسات دون علم الوزارة.

وفي السياق ذاته يؤكد الدكتور حسن خلف وكيل وزارة الصحة على تواصلهم مع جميع الجهات واطلاعهم على احتياجات الوزارة من الأدوية، لكنه قال " يبدو أن هناك اجتهادا من بعض الأطراف، ربما بحسن نية المسئولين، لكن المشكلة تكمن في القائمين على التنفيذ لعدم اطلاعهم على احتياجات القطاع من الأدوية.

وأكد خلف في اتصال مع "الرسالة" وجود تواصل مع المتبرعين من خلال الإدارة العامة للتعاون الدولي لتنسيق الجهود وتفادي المشكلة.

وتجهد الأدوية الفاسدة وزارة الصحة في عملية التخلص منها، فبحسب البرش فان ما وصل القطاع من تلك الأدوية، منذ العدوان الإسرائيلي أواخر 2008 وحتى هذه الأيام يقدر بـ22% من إجمالي التبرعات، ويزن 10300 طن.

ويشير البرش إلى أن عملية الإتلاف تكلف الوزارة نقليات وشحن وعمال ومصاريف أخرى، مؤكدا أن العملية تتم حسب الأصول المعمول بها في الوزارة بالتنسيق مع البلديات، وأضاف " اجتهدنا في توفير ظروف إتلاف سليمة بالإمكانيات المحدودة التي نمتلكها".

لكن رغم ذلك لم يغفل البرش عن التأكيد بأن وزارة الصحة تفتقد لمحارق رسمية لإتلاف الكميات الكبيرة من الأدوية الفاسدة، مما دفعهم للطلب من منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر توفير محارق تفي بالغرض.

مخاطر

ورغم مراعاة وزارة الصحة جميع القوانين التي تسمح بالإتلاف أثناء تخلصها من الأدوية الفاسدة، إلا أن البرش حذر من كارثة إذا بقي الإتلاف على هذه الوتيرة، ورأى أنه يجب تنسيق الجهود لاختيار أصناف الأدوية التي يحتاجها مرضى القطاع.

وتؤكد منظمة الصحة العالمية صحة الرواية الرسمية بلسان مدير مكتبها في غزة محمود ضاهر الذي شدد على أن نسبة كبيرة من المساعدات الدوائية التي تقدمها دول وجهات ومنظمات عربية وأجنبية، تكون إما منتهية الصلاحية أو غير مطلوبة.

وقال ضاهر في تصريحات صحفية أن "غالبية الأدوية الواردة إلى غزة لا يتم إدخالها من خلال التنسيق مع وزارة الصحة الفلسطينية أو الجهات القائمة على الوضع الصحي في غزة، كما أن الجهات المتبرعة بالأدوية لا تنسق مع مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة كي تتعرف على حقيقة الاحتياجات المطلوبة ".

واعتبر ضاهر أن لقطاع غزة خصوصية كونه منطقة محاصرة، الأمر الذي يتطلب مخاطبة الجهات المانحة للمسئولين عن القطاع الصحي كي يتم تحقيق الاستفادة المرجوة من المساعدات الإنسانية المقدمة لأهل غزة، بما في ذلك الطبية .

وطالب الجهات المانحة، الأخذ بالاعتبار الاحتياجات الفعلية لغزة من الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية التي تفتقر إليها المستشفيات، لافتا في الوقت ذاته إلى أن جزءاً من المساعدات الطبية المقدمة لغزة كانت مهمة ومطلوبة لإنقاذ أرواح المرضى، فيما نسبة كبيرة منها لم تأت بحسب الاحتياجات الفعلية بل لمجرد تقديم المساعدة من دون التعرف على ما تحتاجه غزة فعليا.

وأشار ضاهر إلى انه ليس لدى منظمة الصحة العالمية أية صلاحية في غزة تتعلق بتحديد ما هو مطلوب من الأدوية أو بفحص الأدوية الواردة، داعيا الجهات الفلسطينية والدولية والعربية المسئولة إلى العمل على دعم موقف المنظمة واستشارتها في تحديد الاحتياجات المطلوبة من المساعدات الطبية.

ولفت مدير مكتب منظمة الصحة إلى ما يعانيه القطاع الصحي في غزة من مشكلات تتعلق بعدم توفر بنية تحتية للتخلص من النفايات الطبية والأدوية منتهية الصلاحية، موضحا انه ليس هناك في غزة محرقة للأدوية الفاسدة باستثناء محرقة متهالكة متوفرة في مستشفى الشفاء بغزة لا تفي بغرض التخلص من النفايات الدوائية كما ليس لدى غزة المعابر المفتوحة للتخلص من الفائض لديها من الأدوية.

بحاجة لمستودعات

وتعد آليات الاحتفاظ بالأدوية وتخزينها معقدة في ظل الظروف التي يحياها القطاع، وافتقاره لعدد إضافي من المخازن بالمواصفات الصحية الآمنة للتخزين.

وفي هذا الصدد طالب البرش خلال تواصله مع الجهات الصحية الخارجية بتوفير مستودعات

أدوية تمكن الوزارة من استيعاب جميع التبرعات في ظروف جيدة، ورأى أنه من الواجب على المانحين توفير دعم لمستودعات مركزية لصالح وزارة الصحة الفلسطينية.

وبالرغم من إقدام الوزارة على إتلاف الأدوية الفاسدة، إلا أن مستودعاتها تخلو من أدوية ضرورية للمرضى.

ويؤكد مدير عام الصيدلة أنه بالرغم من وجود كم كبير من التبرعات إلا أنها تمثل عبئا على الوزارة ولا تحل إلا جزءا من المشكلة.

ولفت إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في نقص أدوية تخصصية خاصة بالمستشفيات وأمراض الدم والسرطان، وتابع " لا يتم التبرع للأسف الشديد بهذه الأصناف لأنها مرتفعة الثمن، كما أنها لا تورد من رام الله في ذات الوقت رغم أنها من مستحقات الوزارة في غزة".

ويفاقم تباطؤ صحة رام الله في إرسال نصيب غزة من الأدوية المشكلة المركبة التي يعاني منها القطاع ، حيث يؤكد البرش أن نسبة ما ورد حتى الآن من مستحقات غزة من الادوية للعام الحالي يقدر بـ 24% فقط.

وطالب المنظمات الدولية بالضغط على رام الله ، لتوريد باقي كمية الأدوية المستحقة لقطاع غزة.

بينما يعتقد د.خلف أن سلطة فتح في رام الله تهدف لإيذاء المرضى من وراء تعطيلها وصول الأدوية لغزة، مشددا على أن ذلك الأمر ليس جديدا فعندما بدأ العدوان على القطاع نهاية العام 2008 كان ما وصل غزة من الأدوية من رام الله لا يتجاوز الخمسين بالمائة، مع أن العام كان قد انطوى.

وأكد وكيل الوزارة على وجود تواصل مع وزارة الصحة برام الله من أطراف عدة،  لكنه يجزم أن هناك نية مبيتة لعدم منح غزة حقها من الأدوية وتعطيل وصولها للمرضى.

ورأى خلف أن الحل لأزمة نقص الأدوية هو عدم تسييس القطاع الصحي ومنح غزة نصيبها المفروض من الأدوية حسب المناقصات وقائمة الأدوية.

وقال " من الأولى أن تكون بعض الأدوية التي لا تغطيها القائمة الرئيسة للوزارة ، على رأس أولويات المتبرعين، والبعد عن العشوائية".

وشدد خلف على أن (إسرائيل) تمنع إخراج الأدوية الفائضة، للتبرع بها إلى مخيمات اللجوء، وتصر دولة الاحتلال على إبقائها داخل القطاع.

ضربات الحصار

ويتلقى القطاع الصحي في غزة صفعات متتالية منذ الحصار الذي أطبق فيه على القطاع، حيث أدى نقص الدواء والمستلزمات الطبية والمعابر المغلقة لفترات طويلة دون خروج المرضى للعلاج بالخارج، لانضمام المئات منهم للقائمة الطويلة من شهداء الحصار.

ورغم حاجة القطاع للأدوية والمعدات الطبية، إلا أن تأخر وصول قوافل المساعدات وانتظارها الطويل على المعابر يسرع في تلفها.

وأشار بسام برهوم مدير اللوازم الصحية في وزارة  الصحة في تصريحات صحفية إلى أن أجهزة لغسل الكلى وصلت مع إحدى قوافل المساعدات كانت قد انتهت فترة صلاحيتها نهائيا.

غير أن ما أثار استهجان وغضب العديد من المسئولين الصحيين في القطاع هو إرسال تبرعات تمثلت في أكفان للأطفال.

يذكر أن قطاع غزة خال من أكثر من مائة صنف من الادوية والمستلزمات الطبية التي هو بأمس الحاجة لها ما انفك القائمون على القطاع الصحي يطالبون المتبرعين بتوفيرها.

فيما ذكر البرش أنه غالبا ما كانت أدوية التبرعات غير مطابقة للمواصفات ومعايير الجودة في الدول المانحة أو غير ملائمة للحاجة ، حيث أن بعض الأدوية كانت عبارة عن عينات طبية مجانية أو قريبة الانتهاء ( أقل من سنة ) أو حتى منتهية الصلاحية قبل وصولها إلينا ، وهذا يعتبر هدرا للأدوية واستنفادا للسعة التخزينية .

وعلى الرغم من توفر حسن النية لدى الكثير من الجهات المانحة إلا أن أكثر من 22% من هذه المساعدات تم إتلافها وقد قدرت بحوالي 2 مليون دولار نتيجة للظروف التخزينية على المعابر والإعاقة غير المبررة من الجانب المصري وترك المساعدات أشهرا عديدة في ظروف غير ملائمة مما أدى إلى وصول تلك التبرعات وآثار العفن واضحة عليها وحصل ذلك في القوافل الأخيرة بعد معركة أسطول الحرية وفتح المعبر حيث تم تفريغ مخازن العريش المكدسة بالتبرعات منذ فترة طويلة وإرسالها إلى غزة وكانت آثار سوء التخزين ظاهرة للعيان.

وفي مثال واضح على وصول مساعدات طبية لا يحتاجها القطاع ومنتهية الصلاحية قال مدير عام الصيدلة أن مساعدات وصلت من دولة شقيقة تبلغ قيمتها أربعة ملايين دولار كانت عبارة عن 10,000 كفن بأحجام مختلفة منها 1000 كفن للأطفال بأحجام صغيرة 125سم بالإضافة إلى أدوية انفلونزا خنازير تنتهي صلاحيتها مطلع العام المقبل، ومكملات غذائية وفيتامينات، مؤكدا أن غزة ليست بحاجة لتلك الأكفان بينما لا تجد للأطفال حليبا يغذيهم، ومحلولا يغسل كليتهم، وأنبوبا يُدخل الطعام المهضوم إلى معدتهم.

فهل أصبحت غزة مكبا للدواء؟ وهل تجار الحروب أصحاب الضمائر الميتة وجدوا في غزة مكانا لهم لتحقيق مكاسب مالية على حساب حياة المحاصرين، فيعملون على إفراغ مخازنهم من الأدوية المنتهية الصلاحية وإرسالها لسكان غزة.

البث المباشر