بعد طول انتظار، أفصحت السلطة عن موازنة العامة لعام 2018 والتي لم تعلن عن مصير قطاع غزة من الموازنة، واضعة سيناريوهين أحدهما دون غزة سيبدأ التنفيذ به، وآخر يشمل غزة "في حال التمكين"، الأمر الذي اعتبره مراقبون "لرفع العتب ليس إلا".
وتُعبر الموازنة التقديرية عن السياسة المالية للحكومة وتشكل خطة عمل لسنة مالية قادمة، وهي وكما يعرفها الماليون عبارة عن أداة رقابية تخطيطية.
قراءة في الموازنة
وأقرت حكومة الحمد الله يوم الثلاثاء الماضي، موازنتين للعام الجاري 2018، أحدها مرتبطة بتحقيق المصالحة الفلسطينية.
وأحالت الحكومة الموازنتين (الأساس والموحدة) إلى رئيس السلطة محمود عباس للمصادقة عليها وإصدارها في قانون.
وبين مجلس الوزراء، أنه حسب مقترح موازنة الأساس، تبلغ قيمة الموازنة حوالي 5 مليارات دولار، بحيث يبلغ إجمالي الايرادات 3.8 مليار دولار، فيما يبلغ التمويل الخارجي لدعم الموازنة وتمويل النفقات التطويرية 775 مليون دولار.
وتبلغ النفقات الجارية وصافي الإقراض 4.5 مليار دولار، كما تبلغ النفقات التطويرية 530 مليون دولار، وتبلغ الفجوة التمويلية 498 مليون دولار بمعدل شهري يبلغ حوالي 40 مليون دولار.
وعادة ما يتم سد الفجوة التمويلية بالاقتراض من المؤسسات المالية المحلية، أو بإجراءات تقشفية، أو البحث عن وسائل لزيادة الإيرادات لتكون أعلى من تلك التي تتوقعها الموازنة عند إعدادها.
وتبدأ السنة المالية في فلسطين مطلع يناير/ كانون الثاني وتنتهي يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول من ذات العام، وفق قانون الموازنة العامة.
وفي قراءة لموازنة السلطة، ذكر المختص في الشأن الاقتصادي أمين أبو عيشة أن موازنة العام هي الأكبر تاريخياً، بفجوة تمويلية تقدر بمليار دولار، أي أن النمو في النفقات سيفوق نسبة النمو في الإيرادات بحوالي 11%.
وأكد أبو عيشة أن الفجوة التمويلية تحتم على السلطة السير بخطوات مدروسة لزيادة كفاءة وفاعلية الأداء الضريبي، وترسيخ المزيد من ضبط الإنفاق الحكومي وإدارة المال العام بكفاءة واقتدار.
ويرى أن عمل الحكومة على تعزيز الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في تطبيق السياسات الضريبية، مع الأخذ بالاعتبار التباين في الدخل الفردي والوضع الاقتصادي المتباين بين المحافظات الشمالية والجنوبية، من أهم الخطوات الواجب اتخاذها.
وأوضح أن الانخفاض في نسبة العجز المالي الجاري بحوالي 6.9% وخفض العجز المالي الكلي بحوالي 6.4%، لا يعني التراجع في النسبة انخفاض القيمة المطلقة للنفقات، حيث ارتفعت قيمة العجز الكلي للموازنة لحوالي 1 مليار دولار بعد المنح والمساعدات المتوقعة.
وأضاف: "كما سيتم من خلال الموازنة ضبط عمليات صافي الإقراض وتخفيضه بمقدار 2.5% مقارنة مع موازنة 2016، من خلال إجراءات توعوية متعلقة بالمواطن الفلسطيني بالاستناد إلى مجموعة من الإجراءات المتمثلة بتركيب عدادات الدفع المسبق للمياه والكهرباء وتحسين نظام الجباية من الهيئات والبلديات المحلية وبالتالي تقليل الديون المترتبة على البلديات وما في حكمها".
وأشار أبو عيشة إلى أن الموازنة تفتقد للرقابة والمسائلة من قبل المجلس التشريعي، في ظل غياب الرقابة التشريعية على أداء الحكومة للمال العام.
السيناريو الثاني
ويحاكي السيناريو الآخر للموازنة تحقيق المصالحة بشكل كامل، واستيعاب 20 ألف موظف بغزة في كادر السلطة، ووفقا لهذا السيناريو تبلغ قيمة الموازنة 5.8 مليارات دولار، منها 5.2 مليارات دولار للنفقات الجارية، و830 مليون دولار للنفقات التطويرية، فيما تبلغ الإيرادات نحو 4 مليارات دولار، ويبلغ التمويل الخارجي لدعم الموازنة 775 مليون دولار، بفجوة تمويلية تقدر بنحو مليار دولار.
من جهته، عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة "أمان"، مؤتمرا صحفيا استعرض فيه موقفه من مشروع الموازنة، مع التركيز على مدى تعبير هذا المشروع عن مدى وجود توجه حقيقي لدى الحكومة لإنهاء الانقسام، وفك الارتباط مع الاحتلال؟
وقال المدير التنفيذي للائتلاف، مجدي أبو زيد: "إن هذا المؤتمر يأتي بعد اقرار الموازنة، دون مشاركة لمؤسسات المجتمع المدني، بالرغم من الالتزامات التي قطعتها الحكومة على نفسها في أجندة السياسات الوطنية، بتعزيز الشفافية".
وأكد أبو زيد على عدم التزام معدي الموازنة بمبادئ الشفافية وبالأحكام القانونية الواردة في القانون الأساسي، وقانون الموازنة العامة، "حيث لم يتم التقيد بالموعد القانوني لتقديم مشروع قانون الموازنة العامة الذي أدى إلى عدم إقرارها في الموعد المحدد، ما يلحق الضرر بخطط الوزارات والمؤسسات الرسمية".
وشكّك فريق "أمان" في توجهات الحكومة فيما يتعلق بالاندماج مع قطاع غزة، وطالب الحكومة بإشراكه في بناء الموازنة العامة التي يتم تمويل 80% من إجمالي الإيرادات فيها من جيوب المواطنين عبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
وفي مؤتمر صحفي عقده المجلس التشريعي صباح أمس الأربعاء، اعتبرت رئاسة المجلس إقرار حكومة الحمد الله لموازنة عام 2018 فساد سياسي ومالي، مؤكدة أنها سابقة خطيرة في تاريخ السلطة، خاصة في ظل المصالحة الفلسطينية.
وقالت رئاسة التشريعي: "إن الموازنة بيان تفصيلي يوضح تقديرات إيرادات الدولة ومصروفاتها لسنة مالية مقبلة، والذي يجب اعتماده من السلطة التشريعية في الدولة، وتصدر بقانون يصدر عن المجلس التشريعي وفي جلسة خاصة يعقدها المجلس لهذا الغرض".
وشددت على أن إعلان الحكومة هو مخالفة لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، واستمرارا لنهج التفرد الذي تمارسه حركة فتح ورئيسها محمود عباس، وفق وصف التشريعي.
وأكدت أنها الجهة الوحيدة والحصرية صاحبة الصلاحية في إقرار الموازنة والرقابة عليها، وهو الجهة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية، "في حين فقدت كافة مؤسسات السلطة بما فيها مؤسسة الرئاسة شرعيتها بسبب انتهاء مدة ولاية الرئيس في عام 2009".