شكك مختصون في شؤون القدس، بل وحتى مقربون من الكنيسة الأرثوذوكسية في القدس والأراضي المحتلة بأهداف البطريرك ثيو فيليوس من إغلاق كنيسة القيامة مؤخراً بذريعة فرض الاحتلال ضرائب على ممتلكاتها، لا سيما في ظل الاتهامات الموجهة إليه بتسريب عقارات وممتلكات الكنيسة لجهات إسرائيلية.
ففي يوم الأحد الماضي وبعد الانتهاء من مراسيم استقبال المسيحين لعيد الفصح، وبينما كانت القدس مليئة بالحجاج المسيحيين من جميع أنحاء العالم والذين أتوا كما كل عام ليحتفلوا في أكثر الكنائس قدسية بالنسبة لهم، حتى أعلن البطريرك عن إغلاق كنيسة القيامة للمرة الثانية في التاريخ.
وفي هذا التوقيت بالذات عقد رؤساء الكنائس في القدس ممثلين بالبطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث وبطريرك الأرمن نورهان مانوغيان وحارس الأراضي المقدسة فرانشيسكو باتون مؤتمرًا صحفيًا أعلنوا خلاله إغلاق كنيسة القيامة احتجاجًا على قرارات الاحتلال جباية ضرائب عقارات تابعة للكنائس.
وبينما رأى كثيرون في هذا الإغلاق وسيلة ضغط أدت إلى تراجع الاحتلال الإسرائيلي عن القرار، واصفين ذلك بأنه نصر كبير لصالح الكنيسة ولصالح القضية الفلسطينية، استهجنه آخرون مذكرين بصفقات بيع مشبوهة وتسريبات لعقارات تخص الكنيسة تمت على يد ممثل الكنيسة اليوناني ثيو فيليوس، الذي قاد هذا الإغلاق.
الكاتب المختص في قضايا القدس زياد ابحيص تساءل مستهجنًا هذه الخطوة التي وصفها البعض بالانتصار قائلاً: "البطريرك ثيوفيلوس الذي قاد ذلك المشهد كان أبناء رعيته يرمونه بالبيض والأحذية عند كنيسة المهد قبل شهرٍ واحدٍ فقط بسبب ضلوعه في صفقات تسريبٍ لأملاك الكنيسة الأرثوذكسية لصالح الصهاينة، وشهد عام 2017 وحده الكشف عن خمسة منها، فكيف به الآن يتصدر الحراك ضد الصهاينة ويطلب من الجماهير مساندته؟ فلماذا أُغلقت كنيسة القيامة؟ وما هي الأسباب التي دعت القادة الثلاثة إلى إغلاقها؟ وما هي مطالبهم؟ وكيف انتهى المشهد؟ وما هو المتوقع بعده؟".
ويؤكد ابحيص بعد أن وصف المشهد بالمسرحية أن لهذا المشهد شقان أحدهما معلن والآخر مبطن، أما المعلن فهو حماية الكنيسة من الإجراءات الصهيونية بحقها، وأما المبطن فهو توسيع السوق العقاري أمام الكنائس، وأمام بطريركية الروم الأرثوذكس تحديداً، و"قد جاء اختيار يوم الإغلاق وتوقيته على أساس الشق المبطن من الصراع، وهو ما يدل أنه كان الدافع الأكثر أهمية"، وفق تقديره.
وبين أنه حصل على معلومات تفيد بأن البطريرك اليوناني ثيوفيلوس استأجر شركة علاقات عامة إسرائيلية اسمها "ديبي للإعلام والاتصال"، وخرج بما وصفه ابحيص بمسرحية النصر مستخدماً مشورتها.
أليف صباغ عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي يوضح أن هناك منهجية تضليلية تستخدمها البطريركية في إعلامها، حيث يوجد لديها مئات البيانات التضليلية بينما تدعي الكنيسة أنها تواجه الاحتلال الإسرائيلي وقضايا بيع الأراضي التابعة للكنيسة في المحاكم الإسرائيلية في حين نشهد تسريباً للعقارات واحدا تلو الآخر.
ويمكن ضمن هذه المنهجية الإعلامية اعتبار قرار إغلاق كنيسة القيامة حلقة من حلقات المسرحية الكبرى للبطريركية اليونانية، حسب قول صباغ والتي ينتجها ويخرجها الطاقم الإعلامي وتساعده في ذلك جهات فلسطينية وأردنية رسمية تأبى التحقق من ادعاءاته وترفض ما يقدمه ناشطون وطنيون أرثوذكس من وثائق، وتعمل وسائل إعلام فلسطينية وأردنية على ترويج الادعاءات الكاذبة وترفض إعطاء الطرف الآخر إمكانية الرد.
ويطالب صباغ في مقابلة مع "الرسالة" بالتوجه إلى القضاء الإسرائيلي، مذكرًا بسابقة مشابهة كان القضاء فيها منصفا، وهي فرض ضرائب على ممتلكات كنيسة في الجليل، ولم تحكم المحكمة العليا لصالح الجانب الإسرائيلي لأن القانون المطبق هو قانون واضح منذ زمن الدولة العثمانية وموروث عن الدولة البيزنطية قبلها، ولم تقبل أي دولة أخرى أن تغيرها وطبقتها كما هي.
ويوضح أن القانون يعفي الكنائس وممتلكاتها من أي ضرائب، لأن هذه العقارات التابعة لأماكن العبادة هي عقارات مسخرة لخدمة رجال الدين وزوار المكان المقدس، مشككًا بنوايا القائمين على قضايا الكنيسة الأرثوذكسية وجميعهم من الأجانب المقربين من البطريرك ثيو فيليوس مستدلًا بأنهم جميعهم يمنعون الطوائف المسيحية العرب من التدخل في أي قرارات وعلى رأسها التصرف بأملاك الكنيسة.
ويلفت صباغ إلى أن التوجه إلى القضاء في مثل هذه القضية ضروريًا، وهذا ما تجاهله القائمين على الأمر، قائلًا: التوجه للقضاء ضرورة ملحة وهو يؤهلنا أن نتوجه إلى القضاء الدولي لاحقاً".
وفي السياق ذاته، يشير الدكتور جمال عمرو المختص بقضايا القدس إلى المواقف المؤكدة والثابتة بأن البطريرك ثيو فيليوس بائع لأملاك الكنيسة، مضيفاً: "لقد طالت ألاعيبه حتى الأوقاف الإسلامية "المحكرة" على المسيحين في القدس، وهي أوقاف إسلامية "حكرت" على المسيحيين منذ عام 1897 لقربها من الأماكن الدينية وليستنفعوا لها في خدمة الكنيسة".
ويقول عمرو: "من المفترض أن يكون البطريرك رهن الاعتقال منذ زمن، أو حتى المطالبة بخلعه من قبل الجانب الأردني أو الفلسطيني، لكن نتيجة الصمت تمادى بأفعاله، وها هو اليوم يستخدم قضية إغلاق كنيسة القيامة لتنظيف يده من تسريب أموال وأراضي المسيحين". وتابع قوله: "يجب ألا ننكر بأن موقف إغلاق الكنيسة هو موقف المسيحيين الشرفاء الخائفين على ممتلكات الكنيسة ولو كان بيد ثيو فيليوس لما فعلها، ولكنه وضع تحت الأمر الواقع واستغل الموقف وقاد الموجة"، وفق قوله.
ويضيف عمرو: "ثيو فيليوس يجعلنا نتأخر في تقديم قضية الضرائب إلى القضاء، لأنه فضل التشاور مع حكومة نتنياهو في الأمر"، مشددا على أهمية القضاء واستمرار الكنيسة العربية في القدس بمطالباتها لطرد "هذا العميل"، وفق تعبيره، لافتاً إلى وجوب التفريق في الحركة المسيحية بين المسيحين الشرفاء وهم من يسعون دائما إلى المحافظة على حقوق وممتلكات الكنيسة وبين المأجورين وعلى رأسهم ثيو فيليوس اليوناني الذي جاء من اليونان لتحقيق هذه الصفقات.