البيئة : تدهور متسارع تعاني منه بيئة غزة
الزراعة : الملوثات التي أصابت التربة ارتفعت لـ 300 ضعف
بلديات الساحل: تلوث الخزانات الجوفية يهدد المصدر الأساسي لمياه الشرب
خبير: الاحتلال سعى لتغير ملامح البيئة الفلسطينية
غزة- فادي الحسني – الرسالة نت
تعد مشكلة التلوث البيئي في قطاع غزة واحدة من اخطر المشكلات التي تواجه الفلسطينيين، والتي تفاقمت بعد الحصار والعدوان على القطاع.
وانقضى عام ونصف على حرب غزة لكن آثارها لم تنقض بعد، خاصة أنها أثرت بشكل سلبي على البيئة الفلسطينية بعناصرها المختلفة (التربة والماء والهواء) بفعل استخدام الأسلحة المشعة والمسرطنة.
وفي وقت كشف فيه مختصون عن تردي الوضع البيئي بغزة مؤخرا، حذر آخرون من تداعيات التلوث الذي يغلف البيئة الغزية، في ظل العجز عن وضع حد لهذا التلوث.
"الرسالة نت" بدورها بحثت وحققت في ملوثات البيئة الغزية بعد عام ونصف من العدوان على القطاع، وطالعت أراء أهل الاختصاص للوقوف على حجم المخاطر المحدقة بالمواطنين.
تدهور واستنزاف
ويحدق بالبيئة الفلسطينية خطرا كبيرا؛ يكمن في التدهور الخطير والاستنزاف الحادث لكافة المصادر البيئية، فيما أن التحدي الأكبر الذي تواجهه المؤسسات القائمة على رعاية البيئة هو العمل على وقف هذا التدهور الخطير والاستنزاف السريع.
وكشفت مصادر مطلعة أن لجوء المواطنين تحت وطأة الحصار لتدوير الركام بغية الاستفادة منه، يشكل خطرا كبيرا عليهم وعلى البيئة أيضا، لاسيما أن هذا الركام طالته الإشعاعات والقذائف الفسفورية.
وحذرت المصادر من مخاطر قد تطال المواطنين جراء الاستفادة من الركام المكرر، مشددة على ضرورة إجراء فحوصات لعينات من تلك الكتل الأسمنتية المفتتة.
وبالتزامن مع تحذيرات المصادر، قال عوني نعيم مدير عام حماية البيئة في سلطة جودة البيئة :"البيئة الفلسطينية تعاني تدهوراً خطيراً"، مضيفا: تعطيل شبكات الصرف الصحي، أمر يسبب مشاكل للأرض والإنسان والنبات، مبينا أن انقطاع التيار الكهربائي أثر بصورة مباشرة على البيئة وخصوصاً بعدما اضطر المواطنين لتشغيل المولدات وهو ما ينتج عنه ضوضاء وعوام مؤذية صحيا.
وقال نعيم : بيئة غزة غير صحية وينتج عنها أمراض مزمنة وأخرى معدية"، مبينا أنه في غالب الأحيان ينتج عنها تأثيرات نفسية على المواطنين نتيجة التلوث.
وجرى حديث عقب الحرب عن تشوهات طالت الأجنة، نتيجة الإشعاعات المسرطنة التي سببتها الصواريخ والقذائف الفسفورية.
لكن مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة د.فؤاد العيسوي أكد أن الوزارة بصدد متابعة البرامج العلمية وإجراء دراسات لمعرفة إذا ما كانت الأسلحة المستخدمة في العدوان قد زادت من نسبة تشوه الأجنة بالفعل أم لا.
تلوث المزروعات
ما يزيد الأمر تعقيدا أن وزارة الزراعة كشفت أن التلوث قد طال بعض المزروعات، خاصة في المناطق التي تعرضت للعدوان.
وقال نزار الوحيدي نائب مدير عام التربة والري في الوزارة : اليورانيوم المشع طال المناطق الزراعية، الأمر الذي يؤكد تماما تلوث المنتج الزراعي"، مشيرا إلى أن فحوصات أجراها خبراء إيطاليون زاروا القطاع، أكدت ارتفاع الملوثات التي أصابت التربة إلى 300 ضعف.
وشدد الوحيدي على ضرورة تحليل عنصر الزنك في المنتج النباتي، لكنه عبر في الوقت ذاته عن أسفه نتيجة فقدان المختبرات بفعل تدميرها من قبل الاحتلال.
كما لفت إلى أن بعض الخبراء الأجانب الذين وفدوا لغزة، حصلوا على عينات من التربة والمنتجات الزراعية وأكدوا وجود مواد مشعة ومسرطنة، مشيرا إلى أن الاحتلال يحول دون دخول الآلات اللازمة للفحص.
سلطة البيئة أيضا، عبرت عن قلقها إزاء عدم وجود مختبرات تمكنها من فحص العينات المشتبه بها، وفي هذا السياق قال نعيم: البيئة تعاني تدهوراً متسارعاً في كافة الجوانب بدءا من تلوث المياه وليس انتهاء بالجو والتربة"، مشيرا إلى أن العدوان قد أثر بشكل كبير على البيئة، لافتاً إلى أن أمراضا بدأت تظهر بعد عام ونصف من الحرب، كالتخلفات العقلية، والإعاقات الدائمة.
في الوقت نفسه أشار إلى أن التلوث الذي طال التربة والمياه جراء استهدافها من قبل الاحتلال، يعتبر من أخطر الملوثات، موضحا أنه جرى فحص عينات أظهرت احتوائها على مخلفات مشعة وعناصر ثقيلة لها تأثيرا مباشرا على التربة.
وعلاوة على ذلك فإن تقريرا أعدته منظمة الصحة العالمية، كشف أن أكثر من ستة كيلومترات ونصف من الشاطئ في القطاع يعتبر ملوثا وغير صالح للسباحة وان 11 من شواطئ القطاع تصنف على أنها ملوثة.
ويتم ضخ مياه الصرف الصحي في غزة في البحر المتوسط بمعدل يقدر بحوالي 80 ألف متر مكعب من مياه الصرف المعالجة جزئيا و20 ألف متر مكعب من مياه الصرف غير المعالجة يوميا.
ويتسرب ما يتراوح بين 10 آلاف و30 ألف متر مكعب إضافية من مياه الصرف المعالجة جزئيا في الأرض فيما تقول مصلحة مياه بلديات الساحل انه يؤدي إلى تلوث خزانات المياه الجوفية الطبيعية ويهدد المصدر الأساسي لمياه الشرب.
وقال فريد عاشور مدير مصلحة مياه بلديات الساحل : الصرف الصحي أصبح مشكلة منذ سنوات ولا يوجد حل عاجل يلوح في الأفق"، معتبرا أن ضخ المياه بالبحر هو الخيار الوحيد.
ومع تلوث كل من مياه البحر والمياه الجوفية وصلت السموم لإمدادات الطعام في غزة والفواكه والخضروات والأسماك واللبن واللحوم وفي النهاية يتناولها سكان غزة.
وأكد عاشور في تصريحات صحفية انه من أجل تسهيل معاجلة مياه الصرف في غزة يتعين السماح بدخول أنابيب مياه يتراوح قطرها بين 2.5 و7.5 سنتيمتر وأسمنت وقطع غيار ضرورية ومعدات عبر المعابر التي تفرض "إسرائيل" قيودا عليها في الوقت الراهن.
محرمة دوليا
وتشير تقارير صادرة عن مؤسسات حقوقية إلى استخدام دولة الاحتلال مختلف أنواع الأسلحة الكيميائية والمشعة والمحرمة دولياً ضد المدنيين، مثل استخدام الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب والعناصر المشعة والأسلحة الغريبة التي تستخدم لأول مرة وتجرب على المواطنين المدنيين الفلسطينيين.
في ضوء ذلك كشف مدير دائرة المختبرات المركزية في سلطة الطاقة، أشرف عدوان، عن أن المختبرات الدولية ترفض تحليل العينات وخاصة تلك التي من المشتبه احتواءها على اليورانيوم منضب، كما أنها تتحفظ على إعطاء نتائج حول هذا الموضوع.
وقال عدوان: "إذا ما أرسلنا عينات إلى الخارج؛ من يضمن صدور النتائج، خاصة إذا ما احتوت على يورانيوم المنضب"، مبينا أن المناطق التي استهدفت خلال الحرب تضاعفت فيها نسبة الإشعاعات.
وأوضح أن بعض التقارير الدولية أكدت استخدام " إسرائيل" لليورانيوم في حربها على غزة، مؤكدا أن استهداف مختبر الوقاية الإشعاعية بالقطاع وإغلاق المعابر، أمران يعيقان إخراج العينات.
وخلص تقرير صادر عن اللجنة الوطنية لتقييم الأثر البيئي للعدوان "الإسرائيلي" على غزة برئاسة سلطة جودة البيئة- إلى عدة نتائج، أهمها تلويث واستنزاف مياه الخزان الجوفي في غزة ، وتلوث الأراضي والتربة الزراعية بشكل مباشر.
وكذلك فإن التأثير على البيئة الاقتصادية تمثلت بتدمير 14% من المباني ، ومئات المصانع وآلاف الدونمات بما يعادل 17% من الأراضي المزروعة، بالإضافة لتدمير 5000 وحدة سكنية تدميراً كاملاً، ناهيك عن التدمير الجزئي.
أما في مجال القضايا الخاصة ففي الأسلحة والذخائر المستخدمة استخدمت قوات الاحتلال ما يزيد عن 3 ملايين كيلو جرام من الذخائر ، بمعدل 2 كيلو جرام لكل مواطن، أو 8220 كيلو جرام لكل متر مربع من مساحة قطاع غزة الكلية ، أما عن النفايات الصلبة فقد وصل حجم المخلفات الطبية الخطرة الناتجة في فترة الحرب إلى 8-9 آلاف طن من مختلف أنواع النفايات الطبية.
دعوى قضائية
وأمام هذه الكارثة التي تدفع البيئة الفلسطينية ثمنها، فإن سؤالا مهما يطرح : لماذا لم تقم الجهات المختصة برفع دعوى قضائية ضد الاحتلال لانتهاكه حق المحافظة على البيئة؟، في ضوء توفر الشواهد والأدلة؟.
وفي هذا الصدد يجيب نعيم: ليس من اختصاص سلطة البيئة رفع دعاوى قضائية، لكننا وعقب تقرير تقييم الأثر البيئي للحرب على غزة"، راسلنا الجهات الدولية ذات العلاقة بالبيئة، للعمل على وقف هذا التدهور الخطير الحاصل للبيئة.
ولفت إلى سلطة البيئة قامت بتقديم كل ما يلزم للجهات المختصة والمكلفة برفع الدعاوى القضائية على الاحتلال.
وكان رئيس "اللجنة المركزية للتوثيق وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين" القاضي ضياء المدهون قال: كافة الدعاوى التي نقوم بتوجيهها للمحاكم المختصة سواء محكمة الجنايات أو غيرها نضع أمامها كافة الأدلة والبيانات لنؤكد أن هناك جرائم حرب ارتكبت في القطاع مناهضة لاتفاقية لاهاي وجنيف، وأن إسرائيل استخدمت أسلحة محرمة دوليا فيها انتهاك للقانوني الدولي وهذه تعتبر جريمة حرب"، مؤكدا أن عددا من القضايا رفعت بأسماء ضحايا وليس بأسماء مؤسسات.
وأضاف المدهون : تنبئنا بمثل هذه الجرائم بحق البيئة خاصة عقب الحرب، وقمنا بإعطاء أطباء وخبراء دوليين عينات من الهواء والتربة ومن أجساد الضحايا، وقاموا بفحصها في مختبرات دولية، وتبين وجود معادن مشعة وسامة ومسرطنة مستخدمة في أسلحة الاحتلال.
وأضاف :"تبين وجود أكثر من ثلاثين معدن سام ومشع ومسرطن، الأمر الذي ينذر بأثر بالغ على البيئة والصحة العامة في قطاع غزة".
وكشف أن الاحتلال استخدم أسلحة كتجارب على أهالي غزة، مشيرا إلى أن التقارير الصادرة من أكثر من جهة تؤكد على ذلك.
لكن الخبير البيئي المصري د.أحمد عبد الوهاب يرى أن مسألة رفع الدعاوى القضائية ضد الكيان الصهيوني تحتاج لتفعيل دولي، خاصةً أنه لم يتم رفع دعاوى قضائية من قبل على " إسرائيل" بسبب تدميره للبيئة".
وأكد عبد الوهاب، أن سلطات الاحتلال هدفت من خلال حربها تغيير ملامح البيئة الفلسطينية، منوها إلى أن ما حدث لا يعبر عن الفكر الحربي الذي ينتهجه الكيان فحسب، بل إن أمريكا اتبعته خلال الحرب على العراق؛ حيث استخدمت نوعية من الأسلحة كانت تتسبب في إحداث العقم، وأبلغت جنودها بذلك قبل الحرب أنهم قد يكونون غير قادرين على الإنجاب بعد الحرب؛ وكذلك الوضع بالنسبة لغزة".
وأمام هذا الوضع الكارثي الذي تعانيه البيئة الفلسطينية، في ظل ازدياد التلوث، وفقدان الحلول، لا يبقى أمام المواطنين الغزيين إلا أن يواجهوا أعداء البيئة (الحصار، الحرب، الاحتلال).