قائمة الموقع

عمال النظافة في المستشفيات.. بيئة ملوثة وحقوق مسلوبة!

2018-03-22T07:45:03+02:00
صورة
غزة-مها شهوان

يشكو عمال النظافة في قطاع غزة غالباً من عدم حصولهم على أجورهم، لكنهم يلتزمون الصمت تجاه بيئة عملهم التي تفتقر لمتطلبات السلامة المهنية بما يجعل أجسادهم عرضة للأمراض والأوبئة لاسيما عند تعاملهم مع مخلفات المستشفيات، وسط عدم مبالاة من الشركات المختصة التي توظفهم وإهمال حكومي لأوضاعهم.

والمحبط في الأمر، أن الأجور التي يتلقاها عمال النظافة لا تتعدى الـ 700 شيكل رغم عملهم في بيئة تميزها المخلفات الطبية والدماء قد تصيبهم بالأمراض، عدا عن أن إضرابهم عن العمل بين الحين والآخر يضاعف المخاطر الصحية التي تحدق بهم وبالمرضى.

نبشت "الرسالة" لأول مرة عن البيئة الصحية لعمال النظافة في المراكز الطبية ومستشفيات قطاع غزة، فكان الوصول إليهم سهلاً، لكن الحديث عن تفاصيل حياتهم اليومية ومدى تعرضهم لإصابات عمل كوخز الإبرة عن طريق الخطأ أو الاصابة بفايروس كان صعبا مما دفع غالبيتهم للتهرب خشية أن يفقدوا "الشواكل" القليلة التي يحصلون عليها من صاحب الشركة نهاية كل شهر.

إحدى الحالات التي كانت الدافع الأول للتنبيش عن البيئة الصحية لعمال النظافة في المستشفيات، كانت للسيدة "أم شادي" - اسم مستعار- التي قررت العمل لإعالة أبنائها بدلا من الانتظار في طابور المعونات الغذائية التي يحصلون عليها من حين لآخر، فهم بحاجة إلى سيولة مالية لسد احتياجاتهم.

طرقت "أم شادي" جميع الأبواب علها تحصل على فرصة عمل، فذهبت إلى المحال التجارية والمصانع والمخابز فكان الرفض هو سيد الموقف، حتى اهتدت أخيرا إلى طرق باب إحدى شركات النظافة فتم قبولها للعمل في إحدى مستشفيات جنوب القطاع بعدما خضعت لفحص "خلو الأمراض" في وزارة الصحة.

لم يمض على عملها عامان حين سقطت مغشيا عليها داخل المستشفى ليكتشفوا أنها تعاني من مرض "الكبد الوبائي" وبعدها توفيت، الأمر الذي دفع عائلتها لرفع دعوى "تعويض" على شركة النظافة التي تعمل لديها بسبب التقصير بحقها وعدم اجراء الفحص بشكل دوري حسب المتعارف عليه.

رفعت القضية في المحكمة لكن سرعان ما تم التنازل عن حق "أم شادي"، وتبين لاحقا أن صاحب الشركة قام بالضغط على عائلتها وتهديد بناتها وشقيقاتها اللواتي يعملن لديه بالشركة بأن يتم فصلهن في حال استمرت القضية مرفوعة عليه، ونظراً لضيق حالهن تنازل الجميع.

ويبرر صاحب شركة النظافة عدم تعويض العاملة بأنها كانت مريضة قبل التحاقها بالعمل، الأمر الذي يدينه، فكيف له أن يوظفها وهي تعاني "الكبد الوبائي"، وكيف حصلت على شهادة خلو الأمراض التي أهلتها للعمل.

ربما هذه الحالة الوحيدة التي تجرأ ذووها على رفع قضية في المحاكم الغزية لأخذ حقوقها بعد تعرضها لإصابة عمل، في المقابل يفضل العشرات من عمال النظافة الصمت رغم تدهور وضعهم الصحي بسبب البيئة غير الامنة التي يعملون بها خشية فقدانهم الشواكل التي يعملون لجنيها وسد رمق عائلاتهم.

شركات النظافة: نجري الفحوص اللازمة حسب ما يتوفر من إمكانيات

لم يستغرب سامي العمصي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين حينما تحدثت إليه "الرسالة" عن أوضاع عمال النظافة وغياب البيئة الصحية لهم في المستشفيات، وذكر أنه رغم عقدهم لدورات توعوية لهم، إلا أن عددا قليلا منهم يستوعب ذلك كونهم غير مثقفين، وفق قوله.

ويؤكد العمصي أن عمال النظافة يجهلون حقوقهم لذلك يتم استغلالهم من أصحاب الشركات ويجبرونهم على القيام بأعمال غير مطلوبة منهم "كالعتالة".

وفيما يتعلق بالشكاوى التي تصل نقابته، لفت إلى أن ارتفاع نسبة البطالة يقلل شكاوى عمال النظافة، ولا يجرؤ عامل على التقدم بشكوى، وعند الذهاب للمستشفيات خلال الجولات التفتيشية يصورون أن "الحياة وردية" لكننا ندرك أن الواقع سيئ، مشيرا إلى أن صعوبة الوضع ونسبة الفقر تدفع العامل للامتناع عن تقديم شكوى لأخذ حقهم رغم دعمنا لهم والوقوف بجانبهم لكنهم يرفضون.

ويدرك العمصي أن غالبية شركات النظافة تتهرب من توفير أدوات السلامة اللازمة والتطعيمات والكشف الدوري للعمال رغم أنه لا يتعدى الثلاثون شيكلاً.

مخلفات الولادة

أجرت معدة التحقيق مقابلات مع عدد من عمال النظافة في المستشفيات والمراكز الصحية، في البداية كانوا يرفضون لكن بعدما وعدوا بعد نشر أسمائهم أو التعريف عن الشركات باح عدد قليل منهم بما في صدورهم من غصة.

العاملة - أم محمود- "اسم مستعار" تعمل في قسم الولادة بإحدى مستشفيات القطاع اصطحبت "الرسالة" لمكان بعيد لتتجنب صاحب الشركة، تقول: "اعمل لديهم منذ سبع سنوات وتلقيت لمرة واحدة فقط التطعيم وعلى نفقتي الشخصية، وفي حال إصابة أحد العمال بمرض جميعنا يشعر بالخوف ونطالب بإجراء فحص طبي لكن الشركة ترفض دفع الرسوم مما يضطرنا لصرف النظر عن ذلك لسببين: توفير المبلغ البسيط وعدم الكشف عن مرضنا فنخسر العمل".

وتكمل حديثها مرتبكة وهي تلتفت يمينا ويسارا:" قبل ثلاث سنوات اجهضت خلال عملي نظراً لتعرضي لفايروس استدعى غيابي عن العمل شهرا بأكمله، وحينما عدت رفض صاحب الشركة أن يعطيني ولو نصف راتب، أو مساعدتي في العلاج".

وعن تقدمها بشكوى لوزارة العمل، تضحك "أم محمود" وتحكي أنها لا تجرؤ على ذلك، فالجميع ينظر لهم بدونية، عدا عن أنها تجهل الإجراءات القانونية اللازمة لانتزاع حقوقها، مضيفة أنها لم تحصل على دورة تدريبية في التعامل مع المخلفات الطبية، بل تأتي المشرفة وتطلعهم على المعلومات التي تلقتها خلال الورشة".

وتشير "أم محمود" لتعاملها وزميلاتها مع مخلفات الولادة، قائلة:" بعضهن يجهلن استخدام القفازات المطاطية ويلقين بالنفايات بدونها، فالمهم الحصول على "إكرامية" من ذوي الطفل"، متابعة: الجميع يلتزم بارتداء الزي والقفازات حينما يكون هناك تفتيشا وبعدها تعود الأمور لما هي عليه".

الفحوص غير كاملة

جملة من شكاوى العمال نقلتها "الرسالة" لمكتب شادي حلس نائب مدير عام التفتيش وحماية العمل بوزارة العمل، بداية الحديث لم ينف غياب البيئة الصحية لعمال النظافة في المستشفيات والمراكز الصحية وذلك بحسب ما كان ينقل له من قبل مفتشي وزارته.

يقول حلس:" يكمن دورنا وفق المادة 111 من قانون العمل بزيارة المنشآت العامة في سوق العمل والاطلاع على شروط وظروف العاملين في المنشآت، واتخاذ الإجراءات القانونية في حال مخالفة صاحب العمل لشروط وظروف العمل الذي نص عليها القانون ومنها شركات النظافة".

وعن إطلاع وزارته على إجراء الفحص الطبي الدوري والتأكد من سلامة عامل النظافة الصحية قبل الخوض في العمل، يشير إلى أنهم يعملون وفق قرار مجلس الوزراء رقم 22 لسنة 2003 الذي يلزم صاحب العمل بإجراء الفحص الطبي الابتدائي للعاملين والتأكد من لياقتهم وخلوهم من أي مرض يمكن أن تزيد المهنة من شدته أو تساهم في حدوث مرض مهني اخر.

عمال: نخشى الكشف عن أمراضنا، وأصحاب الشركات يعاملوننا بـ "دونية"

وبناء على ما سبق يؤكد حلس أنه وفق الفحص الطبي يترتب قبول أو رفض العامل للعمل في هذه المهنة، وبناء عليه يلزم صاحب شركة النظافة بإجراء الفحوص للعاملين قبل ابرام العقود معهم، وعليه يتحمل تكلفة الفحص حسب القرار.

وكشف حلس أنه بناء على الزيارات التفتيشية لعمال شركات النظافة تبين أن بعض أصحاب العمل يقومون بإلزام العمال بدفع تكاليف هذه الفحوص، وحررت دائرته محاضر ضبط لأصحاب العمل لمخالفتهم قرار مجلس الوزراء.

ويؤكد أنهم يواجهون بعض الصعوبات في التحقق من هذه المخالفات كون العمال يخشون تقديم المعلومات للمفتشين حتى لا يتم فصلهم من قبل صاحب شركة النظافة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن الفحوص التي تجرى للعمال تقتصر على الكبد الوبائي وفحص التنفس وبذلك مخالفة واضحة للقانون.

تجدر الإشارة إلى أنه وفق قرار مجلس الوزراء لابد من إجراء فحوصات شاملة "فحص النظر وتخطيط السمع واختبار وظائف الرئة وأخذ مسح من الأنف والفم وفحص البول" وغيرها من الفحوصات.

وعن الأمراض التي يصاب بها عمال النظافة في المستشفيات وتسجل في وزارة العمل، يقول حلس:" فقط الكسور والرضوض وأي إصابة عمل مباشرة حيث يتم عمل اللازم واحتساب مستحقاتهم، بينما من يصاب بأمراض فيروسية وبكتيرية يخفي ذلك ويخشى التقدم بشكوى".

ما ذكره حلس، أكده العاملون في أحاديث مختلفة فمنهم من لديه مرض وزاد حينما تعامل مع مواد التنظيف الكيماوية، واخرون أصيبوا بأمراض مزمنة ظهرت عليهم بعد العمل بسنوات، لكنهم يتكتمون على ذلك أمام الجهات المختصة، بينما بعض الشركات تدرك ذلك لكن بسبب سنوات الخبرة التي لدى العامل أو العاملة يجعلونهم يواصلون العمل دون تعويضهم مالياً.

نقابة العمال: الفقر دافع العمل في بيئة ملوثة

وتنظم وزارة العمل دورات توعوية حول وسائل السلامة والصحة المهنية ووسائل الوقاية الشخصية للعاملين في شركات النظافة لتوعيتهم بالمخاطر الموجودة في بيئة العمل وسبل الوقاية منها، وذلك وفق قول نائب مدير عام التفتيش وحماية العمل.

وبحسب المتابعة، عقدت وزارة العمل العام الماضي عددا من المحاضرات في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، ونظمت حملة تفتيشية لرصد المخالفات بحق العاملين.

وبعد تلك الورشات التوعوية في التعامل مع المخلفات الصحية، يوضح حلس أن عددا من العمال مستواهم الذهني أقل من الحد المطلوب، وبالتالي يتم توجيه صاحب العمل إما باستبدال العامل أو تشغيله في عمل يتناسب مع قدراته الذهنية وفق القانون.

ومع أن قرار مجلس الوزراء رقم 24 لسنة 2003، يحتم على صاحب العمل إجراء فحص طبي للعاملين كل ستة أشهر للتأكد من خلوهم من أمراض المهنة، إلا أنه تبين لدائرة التفتيش بوزارة العمل عدم التزامهم بالقرار، وقامت بمنحهم مهلة لتصويب أوضاعهم وإجراء الفحوصات، وأنه في حال مخالفتهم يتم تحرير محاضر ضبط وإرسالها للنيابة، كما ذكر حلس.

وينص قرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2003 المتعلق بنظام الشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل على توفير أماكن خاصة للعمال لتناول الطعام وتبديل الملابس وحفظها في دواليب وأدراج خاصة حتى لا تنتقل الفايروسات والبكتيريا إلى أجسام العاملين أو المجتمع المحيط بهم.

ويبدو أن القانون السابق لا يطبق في غالبية مستشفيات القطاع، وذلك وفق ما رصدته عدسة "الرسالة" لأحد الأماكن التي يقوم فيها العمال باستبدال ملابسهم، إذ كان عبارة عن مخزن قديم يدخله العامل حتى يصل "البدرم"، وهو قريب من أشد الأقسام خطورة "الكبد الوبائي" في مجمع الشفاء الطبي.

ما سبق، أكده حلس، مضيفاً أنه توجد بعض مخالفات لشركات النظافة، فهي غير ملتزمة بهذه الاشتراطات، ويتم الزامهم بتوفيرها.

عمال يكشفون بعض التجاوزات

ولابد من دور لوزارة الصحة في متابعة عمال النظافة وتعاملهم مع المخلفات الطبية التي قد تودي بحياتهم أو تصيبهم بأمراض مزمنة نتيجة تعرضهم لفايروسات وبكتيريا، وهنا يتحدث د. رامي العبادلة رئيس اللجنة المركزية لمتابعة شركات النظافة بأن عمال النظافة مصنفون في المجال الصحي وما يقع على الأطباء والممرضين من أخطار يقع عليهم أيضاً.

ويشير إلى أن البيئة بشكل عام ملوثة في الرعاية الأولية والمستشفيات، وذلك بسبب تكاثر أعداد المرضى والميكروب الذي يحمله المريض.

ويفيد بأن هناك بعض البنود لابد من توفرها في عامل النظافة حينما تقدم شركة لمناقصة في المستشفيات، وهي ألا يكون لديه مرض معد، ويحضر ورقة أخذ تطعيمات ضد الكبد الوبائي مرة واحدة.

ويقول: "معظم العمال لهم سنوات طويلة في مجال التنظيف، وفي السابق كنا نوفر لهم التطعيم مجانا رغم أن ذلك يقع على عاتق الشركة نفسها، ونوفر الفحوصات والتطعيمات اللازمة التي تأتي بالأساس للأطفال".

وزارة العمل: أي شركة نظافة لا تلتزم بالمعايير يتم تحويلها للنيابة

ما ذكره العبادلة ينكره عدد من العاملين الذين أكدوا في أحاديث مختلفة مع "الرسالة" أنهم يتلقون التطعيم لمرة واحدة وللكبد الوبائي فقط، وأحيانا يخشون الحديث أمام صاحب الشركة في حال أصيبوا بأمراض خشية فقدانهم للعمل.

وبحسب قوله لابد أن تدفع الشركة لكل عامل قيمة تأمين ليتمكن من رفع قضية على الشركة في حال تعرضه لإصابة العمل.

ويضيف: "أغلب العمال غير متعلمين "على البركة" وحينما تعطيه شركة النظافة راتبا أقل يخشى الشكوى كي لا يفقد عمله، فما بالكم في حال مرضوا وتم الاستغناء عنهم"، موضحا أنهم جلسوا كثيرا مع العمال للحديث عن الضغوط والإهمال الذي يتعرضون له لكنهم رفضوا ذلك.

وعن عدم وجود أماكن خاصة لتبديل العمال ملابسهم بدلا من "السلالم" أو المطبخ يرد" هذا الشيء لابد أن توفره شركة النظافة وغالبا يتذرع أصحابها أنهم يوفرون ذلك ويسمحون للعمال بتبديل ملابسهم في "الكونتينر" التابع للشركة داخل المركز الصحي أو المستشفى.

وبحسب قوله، فإن الشركات تتذرع دوما أنها توفر مكانا للعمال لتبديل ملابسهم لكنهم لا يأتون إليه.

لكن إحدى العاملات قالت" نبدل ملابسنا في غرف الولادة أو المطبخ، وحينما يكون هناك جولة تفتيشية تقوم الشركة بإخراجنا في الممرات وتصر على ارتدائنا الزي الرسمي الذي نغسله في بيوتنا، عدا عن منحنا قفازات مطاطية وارتدائها طيلة الوقت".

ويعود العبادلة للقول، أنه تم عقد دورات توعوية لهم في التعامل مع النفايات الطبية في حال تعرضوا لوخز من ابرة كيف يتوجهون للطبيب لمكافحة العدوى واجراء الفحوص اللازمة.

ما أنصتت له "الرسالة" من أحد العمال مخالف لما سبق، إذ أنه يتعرض دوما لوخز الابر وفي حال نزف يذهب للتمريض ويتم وضع "اليود" على إصبعه، لكنه لا يجرؤ على عمل فحص خشية اكتشافه اصابته بمرض، عدا عن أنهم دوما ما يتعرضون للإهانة عند التعامل معهم بأنهم "جهلة رغم أن عددا كبيرا منهم يحمل شهادة بكالوريوس".

ولم ينف العبادلة عدم استمرارية الدورات للعمال، فقد يتم استبدالهم من حين لآخر، وفي بعض الأحيان يجد العامل وظيفة أخرى ويرحل، مؤكدا على أنهم يعملون على تبسيط الدورات قدر الإمكان ليستوعبها معظم عمال النظافة.

وتعد الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي في حال تعرض أحدهم لإبرة ملوثة من أكثر الأخطار التي يتعرضون لها بعد العمل، لذا يحرصون على توعيتهم، وذلك كان واضحا على العمال والعاملات الذين تم الحديث معهم فهم لا يخشون أي مرض غير "الكبد الوبائي".

الصحة: نحرص على تطعيم العمال ضد "الكبد الوبائي"

وفيما يتعلق بالعقوبات التي تفرضها وزارة الصحة على شركة النظافة التي لا تلتزم بالمعايير، ذكر العبادلة أنه يتم خصم مالي عنهم، عدا عن توجيه لفت نظر وإصلاح، مؤكدا أنه في السنوات الأخيرة كانت أوضاع الشركات صعبة وفيها تجاوزات حيث وجدت عيادات في رفح وخانيونس مهمشة لكن بعد المتابعة أصبح حالها أفضل.

أصحاب الشركات يردون

ولأن جل الاتهامات كانت موجهة إلى شركات النظافة بعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية العمال من الضرر الصحي، التقت "الرسالة" أحمد عبده مسؤول إحدى الشركات منذ 18 عاماً، والذي تفاعل مع قضية التحقيق، دون أن ينفي وجود تجاوزات في بعض الشركات بحسب متابعته.

يقول: "لم تسجل حالة مرضية لدينا منذ انشاء الشركة، وأرفض تشغيل أي عامل يعاني المرض (..) والمسئول عن متابعة الأمن والأمان لعمال النظافة هي لجنة مكافحة العدوى وتطوير الجودة".

وتابع: "هذا العام تم تطبيق نظام فرز النفايات الطبية الخطرة ووضعها في "جردل" معين والعادية بلون آخر، وهذا سيخفف الضرر الصحي على العمال"، مشيراً إلى أنه يحرص أن يكون العامل لديه حاصلا على شهادة خلو أمراض.

بعض عمال النظافة حينما قابلتهم "الرسالة" في مراكز صحية ومستشفيات، ذكروا أنهم يعرفون حالات تعاني المرض لكنهم حصلوا على شهادة خلو من الأمراض، وهذا ما أكده عبده بحسب متابعته لحالات رفضتها شركته وحصلت على عمل مماثل لشركات أخرى رغم أن القانون يحذر من ذلك.

ويؤكد أنه قبل استلام أي عامل نظافة للعمل لابد من حصوله على التطعيم، فهناك إبر لابد من الحصول عليها، الأولى قبل العمل والثانية بعد ستة شهور.

وعن أغلب ما يتعرض له عمال النظافة خلال عملهم، ذكر أن وخز الابر هو الأكثر وفور علمهم بذلك يقومون بتعقيم الجرح وعمل فحص طبي له، منبها إلى أن 50 % من عماله حاصلون على شهادة البكالوريوس واثنان منهم معهم درجة الماجستير، ويتقاضون راتب 770 شيكل، بينما من يكون "على البركة" يتم ترحيله، وفق قوله.

وفي مقابلة أخرى أجرتها "الرسالة" مع صاحب إحدى الشركات التي تعمل في احدى مستشفيات القطاع نتحفظ على ذكر اسمها، عند الحديث معه بدا للوهلة الأولى ممتعضا وراح ينفي أي حالة أصيبت بالمرض بعدما التحقت بالعمل لديه، رغم حصولنا على معلومة بأن هناك شخصا مريضا ولا يقوى على تحمل رائحة المنظفات يعمل لدى الشركة منذ سنوات أصيب بمرض رئوي آخر ويخشى التصريح بذلك كي لا يفقد عمله.

ووفق زملائه الذين تحدثوا بسرية تامة دون الكشف عن أسمائهم فإنه "يتم التعامل معنا وكأننا عالة عليهم ولا نجيد الفهم.. زميلنا أصيب بمرض والشركة تدرك أن اصابته جاءت بعد عمله معهم لكن يتكتم عن الإفصاح عن ذلك للجهات المختصة خشية أن يفقد راتبه".

وغالبية عمال النظافة في المراكز الصحية الذين تم لقاؤهم لاحظت معدة التحقيق أنهم يفهمون ويعون جيدا كيفية التعامل مع المخلفات الطبية ومع ذلك يتعرضون لوخز الابر أو لمس الدماء التي قد تسيل من المرضى فجأة وهم ينظفون، رغم وجود عدد لا بأس به "على البركة".

وبعد طرق الأبواب كافة للوقوف على خلق بيئة صحية لعمال النظافة في المستشفيات، لابد من تشديد الرقابة على شركات النظافة وإلزامها بتوفير بيئة آمنة للعمال، والحرص على عدم إصابتهم بمرض مهني من خلال توفير أدوات السلامة لهم، دون الاستعلاء عليهم عند التعامل او استغلال من هو "على البركة" منهم ومنحه القليل من المال دون الاكتراث لأي إصابة قد تودي بحياتهم، عدا عن تطبيق القانون واللجوء إلى الجهات القانونية لمعاقبة كل من تسول له نفسه باستغلال تلك الفئة العاملة، وإلزامهم بدفع غرامات.

اخبار ذات صلة