خرج رئيس السلطة محمود عباس عن كل الأعراف السياسية والدبلوماسية في خطابه الأخير، الذي ذهب من خلاله لحرق كل المراكب واستعدى العديد من الأطراف.
مراقبون رأوا أن الخطاب يعكس حالة التخبط والأزمة التي تعيشها السلطة الفلسطينية وفقدان الخيارات بسبب فشل نهج المفاوضات الذي تراهن عليه السلطة منذ نشأتها، معتبرين أن للخطاب تأثيراته الخارجية والداخلية واهمها "نعي" ملف المصالحة.
ردود الفعل على الخطاب تعدت البعد المحلي ووصلت لردود الفعل الدولية والتي وصفت الخطاب بالمتخبط والمليء "بالشتائم" ولا يمت للسياسة بصلة.
الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة اعتبر أن خطاب رئيس السلطة الذي لجأ فيه لحرق المراكب يدلل على يأسه واحباطه في احراز أي تقدم لمشروعه السياسي، موضحا أنه بدأ يشعر أن هناك محاولات لعزله سياسيا ووضعه في إطار محدود متعلق بالحفاظ على الوضع الأمني في الضفة الغربية فقط.
ورأى أن أبو مازن يعتبر أن كل ما يجري حوله بما فيه المصالحة يهدف إلى تمرير صفقة القرن والقضاء عليه، في ظل فقدانه للوقت للتغيير والعودة لمشرع التسوية من جديد.
ورغم أن المنطق والسياسة تفرض على رئيس السلطة الاستقواء بالفصائل وعلى رأسها حماس لمواجهة صفقة القرن إلا أنه فعل العكس تماما وهاجم حماس بشكل غير مسبوق وهو ما اعتبره عفيفة من الممكن أن يحدث في حال امتلك عباس مشروعا سياسيا طويل الأمد، لكنه على الصعيد الصحي هو لم يعد يمثل المستقبل.
في المقابل يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الدكتور عثمان عثمان ما سبق، منوها إلى أن أبو مازن كان عليه مواجهة الضغط الخارجي بخطاب وحدوي ويستقوي بكل الفصائل على رأسها حماس لمواجهة صفقة القرن.
وبحسب عفيفة فإن عباس يقود القضية الفلسطينية بناء على أهوائه وأحقاده، موضحا أن خطابه لم يقدم أي بديل عن الوضع الراهن الذي تمر به القضية.
من جانبه ذكر عثمان أن أبو مازن لم يترك أي مجال لاستعادة اللحمة والوحدة الفلسطينية، مشيرا إلى أن اتهامات رئيس السلطة لحماس ليست مثبتة قانونيا ولا يوجد عليها دليل خاصة وان المنظور الجنائي يقضي بأنه ليس لحماس أي مصلحة في عملية التفجير، و"هي ليست غبية إن كان لها مصلحة أن تقوم بالعملية في قطاع غزة"، وفق قوله.
ويفند عثمان اتهامات عباس لحماس بتفجير موكب الحمد لله بأنها في حال أرادت أن تستهدف أحدا لن يكون رئيس الوزراء الذي لا يملك أي تغير في سياسيات السلطة، وهو مجرد موظف خدماتي يؤتمر بأوامر رئيس السلطة.
وبحسب عثمان فإن خطاب أبو مازن حرق كل المراحل التي كان من الممكن أن تقربنا للوحدة، ويتفق مع عفيفة بأن الخطاب يدلل على أن عباس مأزوم على الصعيد الخارجي، ولم يحصد ما تأمل به وزرع من أجله، لذا يحاول لفت أنظار أنصاره عن الفشل بكيل الاتهامات لخصمه المتمثل بحماس.
ويوضح أن الخيارات الموجودة عند الآخرين هي أكثر من تلك التي يملكها رئيس السلطة، خاصة وان العالم كله يتضامن مع القطاع حتى الاحتلال ذاته غير معني بأي انفجار في غزة.
وكان "عباس"، قد اتهم في مستهل اجتماع للقيادة الفلسطينية، في مدينة رام الله وسط الضفة، "حماس" بتنفيذ محاولة "اغتيال رئيس الوزراء رامي الحمد الله، في غزة".
وشن عباس هجوما غير مسبوق على الحركة، وعلى قادتها، وأشار إلى أنه قرر اتخاذ "القرارات القانونية والمالية والشرعية كافة بحق قطاع غزة، على خلفية محاولة الاغتيال"، دون مزيدٍ من التفاصيل حول هذه القرارات.
وحول مستقبل القطاع في ظل تهديد أبو مازن، يعتقد عفيفة أن أطرافا عربية وإقليمية ستضغط على أبو مازن لعدم تنفيذ أي إجراءات جديدة ولو لزم الأمر سيتم الضغط الشديد عليه، لأن السياسة المتبعة هي التنفيس عن غزة وعدم إيصالها لنقطة الانفجار.
في المقابل يذكر عفيفة أن أبو مازن يسعى لتسخين جبهة غزة من خلال افتعال الأزمات فيها وتفجيرها، وهو ما عبر عنه ليبرمان في تصريح له مؤخرا.
وبالنظر إلى الحقائق فإن جزءا كبيرا من العقوبات لا يمكن لأبو مازن القيام به منفردا خاصة وأنها تتعلق بالاحتلال الذي يسيطر على خطوط الكهرباء والمعابر واي تقليص لن يكون إلا بضوء أخضر (إسرائيلي) وهو ما لا يريده الاحتلال حالياً.
القبول (الإسرائيلي) لتنفيذ أي عقوبات يعتبر التحدي الأبرز أمام عباس وأي فشل فيه سيشكل بالنسبة له انتحارا سياسيا كونه ذهب في تهديداته لأبعد مدى واي تراجع او عدم مقدرة على الفعل ستظهره بلا صلاحيات.