بين زخات الرصاص وقنابل الغاز اختار الشاب إسماعيل العثامنة السير بدراجة نارية ذات أربع عجلات تعرف بــ "التركترون" والتي سرعان ما تحولت إلى سيارة إسعاف صغيرة تنقل الشهداء والمصابين من "نقاط الصفر" التي يصعب الوصول إليها قرب السلك الفاصل.
لم يحتمل أن يرى الأسير المحرر والمصاب في الانتفاضة الأولى "العثامنة"، استغاثة المصابين في مسيرة العودة الكبرى على الحدود الشرقية شمال قطاع غزة دون أن يفعل شيئاً، فقرر أن يتحول من مشارك بالمسيرة إلى "مسعف استشهادي"، بعد أن اختار المغامرة والوصول لنقطة الصفر وإسعاف الجرحى والشهداء.
تحولات ومحطات مختلفة صنعت من الأربعيني أبو محمد رجلا عنيدا لا يخشى الموت، بعد فقدانه ما يزيد عن 20 شهيدا من عائلته وعشرات الإصابات في المجزرة الشهيرة -مجزرة عائلة العثامنة- في الثامن من فبراير عام 2006 بعد سقوط عشرات القذائف المدفعية على منازل العائلة بمنطقة السكة في مدينة بيت حانون.
ولم يمض عام على تلك المجزرة حتى اعتقلت قوات الاحتلال الشاب العثامنة ليقضي أربعة أعوام داخل السجون الإسرائيلية ثم يخرج محررا يكمل حياته الطبيعية رغم ما يعانيه من إصابة في القدم والظهر والوجه التي أصيب بها أثناء إلقائه الحجارة على جيش الاحتلال في الانتفاضة الأولى، يقول لـ"الرسالة".
ولا يفوّت الرجل قمحي البشرة أي حدث وطني أو مسيرة نضالية إلا ويكون من أوائل المشاركين، وهو ما دفعه إلى المشاركة وتصدر المحتشدين في مسيرة العودة الكبرى التي دعت إليها الهيئة التنسيقية الوطنية العليا يوم الجمعة الماضية بمناسبة يوم الأرض الموافق 30 آذار، وفق وصفه.
ورغم تأمين القائمين على مسيرة العودة الكبرى للمواصلات إلا أن العثامنة فضّل الذهاب مبكرا بواسطة دراجته الشخصية، وفور وصوله للمنطقة الحدودية الشرقية لمخيم جباليا، لم يتمالك الرجل نفسه بعد رؤيته لثمانية مصابين بينهم فتاتين، حيث قرر الوصول سريعا للسلك الفاصل وإسعافهم بعد تعذر وصول سيارات الإسعاف لهم بسبب وعورة الأرض وكثافة إطلاق النار.
"لم أحتمل أن أشاهد صراخ الجرحى وأصوات استغاثتهم قرب السياج الحدودي وعدم استطاعة المسعفين الوصول لهم بسبب الطبيعة الرملية إلى جانب استهداف قوات الاحتلال لأي شخص يحاول الوصول للمصابين" يضيف أبو محمد.
وبعد تمكنه من إنقاذ الجرحى جميعهم أصبح المسعف المعتمد لدى المتظاهرين وحلقة الوصل بين سيارات الإسعاف والمصابين القريبين من الحدود، لينقل حتى نهاية يوم جمعة الغضب ما بين الـ50-60 مصاباً وشهيداً، بحسب سرده.
وما بين زخات الرصاص التي أصابت عجلات دراجته واختراق إحدى الرصاصات لجاكيت كان يرتديه، لم يثن ذلك الرجل مفتول العضلات عن إصراره على نقل المصابين رغم تحذيرات المتظاهرين له بأنه قد يستهدف ويرتقي شهيدا في أي لحظة.
ولم تقل الحفاوة وحجم الثناء الذي لقيه الشاب العثامنة من الطواقم الطبية والمشاركة في المسيرة، عن تلك التي لاقاها من زوجته وأبنائه العشرة، معتبرين أن ما قام به بمثابة عمل بطولي ووطني.
ولاقت صور العثامنة رواجا كبيرا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين بدأوا بتناقل صور الرجل وهو ينقل المصابين والثناء على عمله الوطني في إنقاذ حياة الجرحى.
ورغم تعطل دراجته النارية وإصلاحها بعد استهداف جنود الاحتلال له، يُصر العثامنة على مواصلة مشاركته في مسيرة العودة وتطوعه كمسعف استشهادي يساهم في إنقاذ حياة المصابين.