قائمة الموقع

مكتوب: بين خيمة التهجير وخيمة العودة.. فاطمة "شامّة ريحة يافا"!

2018-04-12T13:03:23+03:00
غزة_أمل حبيب

حتمًا ستلازمك الدهشة لو حدثتك فاطمة عن يافا، عن الميناء، عن دكاكين حي رشيد ذات الأبواب الخشبية، ستؤمن أن فاطمة قد غادرت يافا، لكن يافا لم تفارقها دقيقةً!

بالنسبة لها يبدو الغياب شكلًا من أشكال الحضور، فيافا كانت حاضرة بلهجتها، بالكسرة آخر حرف من كلماتها، برائحة منشية يافا كذلك حين وصلتها ابان مشاركتها في مسيرة العودة الكبرى والتفتت لتقول لنا: "شامّة ريحة يافا.. تعي يمه".

من برتقال يافا الى زيتون غزة، ومن خيمة التهجير الى خيمة العودة، ومن فاطمة الجدة الى فاطمة الحفيدة، حكاية تشبث الفلسطيني بأرضه وحريته وعودته، لخصتها اليافوية بلقاء دام ساعتين.

تُعرف عن نفسها "أنا فاطمة السيد أحمد "أم نهاد عبد الله" عمري 80 سنة من حي رشيد في المنشية بيافا، عملت كمدرسة في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين لمدة 42 عامًا".

ذاك الصراخ المكتوم داخل قلب أمها وهي تطلب من فاطمة أن تستغني عن حذائها حتى تسرع في خطواتها قبل أن تقتلها نيران مدفعية الإسرائيلي، كان بداية الحديث عن تغريبة فلسطينية عاشتها فاطمة الطفلة.

توبيخ أمها لها ودمعاتها لحظتها أتقنت تمثيلها لنا، وكأنها ابنة التاسعة التي غادرت حي رشيد للتو " فاطمة لسة بدك تلبسي الصندل ارميه واجري يا إمي ارميه".

ستعيش في قبو صغير كما تصفه فاطمة، ثم ستصعد في المراكب الى لبنان، ومنها الى مصر، ستمضي ثلاثة شهور من تغريبةٍ الى أخرى حتى تصل الى غزة حيث فصل اللجوء الكامل هنا!

"طلعنا من يافا على الميناء من طريق الساعة، وقبل ما توصل الباخرة عرفوا اليهود بمكاننا، وضربونا رصاص".

كانت تسرد الأحداث تباعًا، لم تحتج أن تتوقف عن الحديث لتستجلب تلك المشاهد، ذاكرة النكبة فرضت نفسها فلم تنسى!

من ميناء يافا الى لبنان، ومن هناك الى سوريا بالشاحنات، ثم الى مصر بباخرة أخرى، أحداث بعد أحداث تتسارع كما خطوات المهجرين، وخطوات فاطمة حافية القدمين وكل الأسئلة التي كانت تسألها لوالدها عن العودة الى يافا لم يكن لها سوى اجابة واحدة "أسبوع وراجعين يابا".

لن تنسى فاطمة أساور الذهب وهي تفارق معصم أمها تباعًا، من أجل شراء الخبز والمونة لها ولإخوتها خوفًا عليهم من الموت جوعًا، تصف تلك الفترة " حياة مُهجر مأساوية".

غزة علمتني!

الشمس لا تشرق في اليوم مرتين، لكنها كانت كذلك في نظر ابنة يافا حين رفعت العلم عاليًا فرفرف أمام السياج الفاصل بينها وبين يافا على حدود غزة، كانت تبتسم كأنها وصلت "المنشية"!

في غزة تعلمت وتزوجت وكان لها بيت تنتظر العودة منه الى البيت الأصلي في يافا، كما عبرت فأدمعت عيناها لذلك.

لن ننسى ملامح الحاجة فاطمة وهي تقطف حبات البرتقال والليمون، من أرض زراعية تعود لجارتها الغزاوية، تقطف حبة بل اثنتين، تقارن بينها وبين حبات البلاد ثم تقول متباهية بحمضيات يافا:" متل حجم حبة البرتقال بيافا ومتل طعمها عمري ما بشوف".

كأن عينيها أضاءتا وهي تتحدث كيف كان أبناء حي رشيد يصنعون الفوانيس من حبة البرتقال، ثم يضعون بداخلها شمعة صغيرة تضيء فيغنون لرمضان".

مررنا بفاطمة الشعلة كما شمعة البرتقال أو أشد وهجًا وهي تشارك في معظم الفعاليات والأنشطة الخاصة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وآخرها مسيرة العودة الكبرى تزامنًا مع يوم الأرض.

عشر دقائق كانت الفاصلة في لقائنا لابنة يافا، ويداها تستند على خيمة العودة في موقع ملكة شرق غزة، وتقول: "الخيمة لونها أبيض تبشر بالعودة لبلادنا، أما خيمة النكبة سوداء، فيها تجرعنا الذل والانكسار". ثلاثون دقيقة فقط، لو أضفناها إلى مدة اللقاء مع فاطمة لاحتسينا الشاي معها في يافا، فبحساباتها:" من حدود غزة ليافا نص ساعة بالسيارة"!

اخبار ذات صلة