في صورة يبدو فيها الجريح محمد البلعاوي يركض حاملا اطار سيارة "كوشوك" على الحدود الشمالية الشرقية لقطاع غزة، ودخان "الكوشوك" يغطي الصورة من خلفه في مشهد سينمائي، وثّقه المصور محمود أبو سلامة للبلعاوي قبل اصابته.
البلعاوي الذي استقبل المصور أبو سلامة في زيارته، تفاجأ من الصورة التي سبقت اصابته بلحظات، ليشعر بالدهشة من اللحظة التي يعتبرها فارقة في حياته.
فبعد يوم عملٍ شاق كمصور صحفي على الحدود الشرقية للقطاع، يبدأ المصور أبو سلامة رحلة البحث عن المصابين في مستشفيات القطاع، وخصوصا في المنطقة التي يصور بها الأحداث.
وبمجرد أن يعلم أبو سلامة وجود مصاب وثّق صورته في مواجهاته مع الاحتلال، يبادر لطباعة الصورة في برواز ليزور الجريح ويهديه الصورة، والتي تكون بمثابة شاهد على إصرار الشباب الغزّي على العودة السلمية إلى الديار.
أبو سلامة الذي يأخذ أماكن متقدمة في تصوير المواطنين في الخطوط الأمامية للمسيرات، والذين يصابون برصاص الاحتلال، لا تكتفي مهمته على نقل الصورة الصحفية، بل تستمر إلى مشاركة الجرحى وأهالي الشهداء بما توثقه كاميرته.
التقت "الرسالة" أبو سلامة، في منطقة أبو صفية على الحدود شرقية لمخيم جباليا، وقتئذ قال إن مبادرة "برواز المخيم" مستمرة يوميا في كل صورة يلتقطها لجريح، موضحا أن المبادرة تأتي بجهد ذاتي وتعزيزا منه لصمود شعبنا، في ظل ما يقدمونه من تضحيات ونزف للدماء.
وعن فكرة المبادرة، أشار أبو سلامة الذي وثّق بالصور لحظات استشهاد الشاب عبد الفتاح عبد النبي وهو يحمل اطار "كوشوك"، فكان لابد من تخليد صورته "ببرواز شهيد" في اليوم الأول لمسيرات العودة.
وأضاف: "الفكرة جاءت من خلال سلسلة مبادرات سابقة منها "برواز المخيم"، حيث فكرت بمبادرة جديدة لإسعاد الجرحى في المستشفيات واحساسهم بقيمة ما يصنعونه لإنجاح مسيرات العودة".
ولفت إلى أن شعور الجريح خلال الزيارة لا يوصف، حيث أنهم لم يعلموا بوجود صور لديهم على الحدود قبل اصابتهم بلحظات.
وبيّن أن هدفه الأسمى من المبادرة، إيصال رسالتهم للعالم بضرورة العودة لديارنا التي هُجرنا منها قبل 70 عاما، ونشر رسائل السلام وحق الفلسطينيين في العيش بعيدا عن صوت القذائف وغبار الموت.
المصاب محمد أبو جاسر أعرب عن سعادته من الهدية التي قدمها له المصور أبو سلامة، ببرواز يحمل صورته لحظة اشعال الإطارات ومواجهة الاحتلال بصدره العاري.
العشريني أبو جاسر الذي أصيب برصاصة بقدمه، قال إن البرواز والمبادرة التي أقدم عليها المصور خففت الكثير من آلامه.
وأكد أن الصورة ستبقى لديه للتاريخ، ليحدث بها أطفاله وأحفاده عن مخيمات العودة، وكيف شكلت المسيرات نقطة تحول في الصراع مع الاحتلال.
وحث أبو جاسر المصور على استمراره في توثيق الصور، وفضح جرائم الاحتلال الذي يطلق النار على المتظاهرين العزّل.
عدة جوائز محلية وعالمية، حصدها أبو سلامة كانت دافعا كبيرا له لإكمال مشواره كفوزه في مسابقة لحظات، وأفضل صورة صحفية 2017 في القطاع.
ورغم محاولاته السفر للانضمام إلى معارض الصور في الخارج، إلا أن بوابة معبر رفح وقفت عائقا دون تحقيق أحلامه، يضيف: "انطلاقنا في طريق آمالنا يقطعه البوابة السوداء التي تحول دون إكمال مشوارنا إلى العالمية".
ونشر العشريني عدة ألبومات مصورة (فلسطينيات، آذار الأول، حراك مخيم جباليا، معركة المياه الملونة وآخرها مخيم جباليا)، وأيضا صورته الفائزة بجائزة دولية عن طفلين يتعلقان بحبل غسيل على أحد بيوت المخيم.
وكشف عن فيلم قصير يعده عن المخيم، سيعرضه الشهر الجاري، لينتقل بذلك أبو سلامة من ألبومات الصور إلى الأفلام القصيرة في إيصال رسائل المخيم واللاجئين للعالم.