وسط إطلاق الرصاص المتواصل تعلو الأصوات:" يا شباب يا جميع البشر، اللي بصير فينا حرام، إحنا رجال، طخوا الشاب قدام عنينا في العيساوية، لا يوجد رجال، لا يوجد أحد ليسأل فينا، حرام ما يجري لنا، إنه شاب بعمر الورد، قتلوه، هل رأى أحد منكم ما جرى، هل تحرك أحد، هل يشعر بنا أحد؟!! نحن رجال العيساوية، قتلوا الشاب أمام أعيننا، كيف يسامحنا الله ونحن نقف ونشاهد ولم نفعل شيئا، وضعوا السلاح في رأسه ثم أطلقوا النار".
هكذا كان يصرخ شباب العيساوية مساء يوم الخميس، وهم يركضون بعد مواجهات حامية مع سيارات الاحتلال اقتحمت البلدة كعادتها.
منهم من تمزقت ثيابه جراء العنف الذي تعرضوا له من جنود الاحتلال، ومنهم من أصيب، بينما سقط محمد عبيد ابن التاسعة عشر شهيدا، رقما آخر دون أن يكترث أحد.
وفي منزله في العيساوية كان الخبر صاعقا، فكيف يموت محمد هكذا بغمضة عين، وقد كان هنا يكحل عيني والدته التي جلست تروي الحكاية بوجه رسمت الفاجعة على ملامحه، تقول: خرجت أمام الباب ورأيت الشباب يبكون ويضربون رؤوسهم ويصرخون فسألتهم ما الذي جرى، فقالوا:" طخوا ابنك محمد" وذهبت راكضة إلى حيث سقط ورأيته، كما هو على نومته، عيناه جاحظتان في السماء والشباب يحاولون تفادي الرصاص لسحب محمد وأخذه إلى المستشفى، ولكن الرصاص منعهم من الوصول حتى سبقتهم سيارات الجنود وصادرت جثة ابني قبل أن يتمكن الشباب من سحبه، وما زال جثمانه محتجزا.
والدة محمد التي تبكي قلة الذكريات مع ابنها نظرا لأنه كبر واشتد عوده داخل المعتقلات، فمحمد الذي ختم حياته بالشهادة بدأ عنفوانها بالبطولة فتعرض لأول عملية اعتقال وهو ابن الخامسة عشر وقضى سنتين في سجون الاحتلال، وبعد الإفراج عنه بستة أشهر حوكم بسنة وثمانية أشهر أخرى، وخرج من السجن ولم يكتمل عام على حريته حتى ارتقى شهيدا يوم الخميس برصاصة في الرأس أطلقها عليه جندي إسرائيلي من مسافة عشرة أمتار.
تقول أمه: لم أفرح على محمد وهو يكبر يوما بعد يوم، قضى حياته بين المعتقلات، حرمت من مناسبات كثيرة برفقته، ولقد كانت آخر هدية قدمها لي في يوم ميلادي عبارة عن صورة تجمعنا معا، وقد وضعها في برواز خشبي وكتب فوقها:" بحبك يا ماما".
وعن ذلك اليوم تقول شقيقة الشهيد الأسيرة المحررة سندس عبيد: عند الساعة السابعة من مساء الخميس، وأثناء تواجدي في منزل عمتي القريبة من منزل عائلتي، سمعت إطلاق نحو 4 رصاصات، وتساءلت لماذا هذه الرصاصات؟ وعدت إلى المنزل فورا خوفا من اندلاع مواجهات في القرية، وعند الاقتراب من مدخل منزل العائلة تفاجأت بصراخ الشبان والبكاء وعند السؤال عن السبب وما يحدث في المكان، رد أحد الشبان بأن محمد شهيد يا أخت الشهيد".
وأضافت والدموع تملأ عينيها: "بدأت بالصراخ بوجه أحد الشبان، مكذبة الخبر، خاصة انني شاهدت شقيقي قبل توجهي لمنزل عمتي وهو يتناول ساندويش فلافل"، ولكني حاولت الاقتراب لمكان تجمع الشباب وشاهدت محمد ملقى على الأرض ويداه مفتوحتان وعيناه تنظر للسماء وعند الاقتراب شاهدته يبتسم مودعا الدنيا وبعدها بدأت بالصراخ لأفقد الوعي بعد ذلك".
وتجمع أهالي العيساوية منذ ساعات صباح الجمعة أمام منزل عائلة الشهيد من بينهم محافظ القدس عدنان غيث، حيث أقام المئات صلاة الجمعة في المسجد الأربعين بالقرية، أعقبتها مسيرة توجهت لمنزل عائلة الشهيد، مرددين الهتافات المطالبة بوقف الجرائم الاسرائيلية بحق سكان القرية بشكل خاص ومدينة القدس بشكل عام.
وفي صباح الجمعة أيضا اعتقلت قوات الاحتلال، 9 شبان من مدينة القدس المحتلة بعد اندلاع مواجهات عنيفة في أحياء مختلفة من مدينة القدس المحتلة فور استشهاد الأسير المحرر محمد سمير عبيد.