قائد الطوفان قائد الطوفان

"المحامي المتهم" كيف يترافع أمام القانون؟

صورة
صورة

تحقيق-محمد العرابيد

في الوقت الذي تحتفي فيه جامعات غزة بتخريج مئات الطلبة من كليات الحقوق، وحصول العشرات منهم على "مزاولة مهنة" من نقابة المحامين في القطاع، توقف النيابة العامة عدداً من المحامين بتهمة التزوير وقضايا أخرى!

ومع انتهاء العام الماضي، أصدر مجلس نقابة المحامين في غزة، قراراً بفصل وتوقيف أكثر من خمسة محامين مزاولين للمهنة، بناءً على قرارات وتوصيات "مجلس تأديبي" تشكّل للنظر في اتهامات موجّهة لهؤلاء بتزوير بعض القضايا.

وكشفت المباحث العامة في قطاع غزة عن قضية نصب وتزوير ملكية أرض مساحتها "712" مترا، يُقدر ثمنها بمليون دولار، حيث قال الرائد ماجد أبو مصطفى، مدير دائرة المؤسسات في المباحث العامة، في بيان صحفي يوم الثلاثاء 23 يناير 2018، "إن شكوى تقدم بها المواطن "ن، ف" مفادها قيام المدعو "ع-أ" والمدعو "إ-ك" بالنصب والاحتيال عليه، وانتحال شخصيته وتزوير توقيعه لدى إحدى المؤسسات الحكومية، ونقل ملكية الأرض لصالح المدعو "ع-ط"".

وأوضح الرائد أبو مصطفى أنه تم استدعاء المدعو "ع-ط"، وبعد التحقيق معه اعترف بتزوير التوقيع وانتحال شخصية المواطن "ن، ف" بالتعاون مع المحامي "أ-ت".

هذه الحوادث التي يرتكبها محامون في غزة، دفعت "الرسالة نت" إلى فتح هذا الملف الخطير والشائك مع الجهات المعنية في غزة؛ لمعرفة الضوابط التي يلتزم بها المحامي، وعن العقوبات التي تقع على المخالف منهم.

موضوع خطير

جميع من قابلهم معد التحقيق، أكدوا أهمية هذا الملف وخطورته على هذه المهنة "التي بدأ بعض المحامين في غزة بمخالفة القوانين وعدم الالتزام بها لتحقيق مصالحهم الشخصية من خلال تزوير بعض الأوراق، والحصول على رشاوي مالية".

وخلال مهمة الـ "الرسالة نت" التي استمرت أكثر من ثلاثة شهور، رصد معد التحقيق تجاوزات لبعض المحامين في غزة، وحصل على معلومات مفادها أن أحد المحامين كان موقوفاً لدى شرطة مكافحة المخدرات لحيازته "ممنوعات"، وبعد قضائه قرابة الشهرين في السجن، حصل على مزاولة المهنة من نقابة المحامين، وأصبح يترافع ضد المتهمين!

نقابة المحامين: هناك تجاوزات لبعض المحامين، ونعاني من مشكلة في القضا

وبعد أسبوع من البحث، تأكدنا من جهات أمنية في غزة، أن "سعيد خالد" وهو اسم مستعار لمحامٍ من غزة كان موقوفًا على قضية حيازة مواد مخدرة قبل عامين، حيث تمكنّا من مشاهدته وهو خارج من إحدى الجلسات مرتديًا "روب المحاماة" أثناء مزاولته للمهنة داخل محكمة بداية غزة، بالقرب من ملعب اليرموك.

وعلى إثر حصول معد التحقيق على شهادات موثقة لمخالفات بعض المحامين في غزة، نسأل: "هل توجد لجنة رقابة من النقابة للمحامين المزاولين للمهنة؟ وكيف يزاول هؤلاء المحامين المخالفين للقانون المهنة، ويترافعون في المحاكم؟

مشكلة في القضاء

وللإجابة على هذه الأسئلة طرقنا باب نقابة المحامين في غزة، والتقينا عبد العزيز الغلايني نائب نقيب المحامين في فلسطين، الذي أكد في بداية حديثه، على وجود تجاوزات لبعض المحامين في القطاع، وأن النقابة أقدمت على فصل وتوقيف عديد منهم خلال السنوات الماضية.

وقال الغلايني في حديث لـ"الرسالة نت": "هناك بعض المحامين الذي يتخذ بحقهم إجراءات عقابية من النقابة يقدمون طلبًا في المحكمة الإدارية بغزة، طعن ضد قرار النقابة لوقف الإجراءات المتخذة بحقهم".

وأوضح أن المحكمة الإدارية بغزة تقبل هذا الطلب، وبناء عليه يحق للمحامي الاستمرار في مزاولة المهنة إلى حين عقد المحكمة جلسة للنظر في القضية، وتكون بعد ثلاثة أو أربع سنوات!

ويرجع الغلايني ذلك إلى "وجود مشكلة في القضاء بغزة، منوها بأن المحكمة الإدارية تؤجل النظر في قضايا بعض المحامين المتجاوزين إلى أكثر من 5 سنوات، "وهذا إشكالية خطيرة يجب على المحكمة إيجاد حلها"، كما قال.

وأشار إلى أنه الأصل في المحكمة أن تفصل في هذه القضايا بسرعة وفي مدة لا تتجاوز الستة الشهور؛ "لأهمية هذه القضية، ولخصوصيتها كونها تخص طبقة من المحامين تعمل في مجال القانون".

وتابع: "نأمل من المحكمة أن تبذل جهودًا أكثر لحساسية نقابة المحامين، وتنظر بسرعة في البت بالقضايا المقدّمة من بعض المحامين ضد النقابة، حتى تكون هذه الإجراءات رادعة ضد من تسوّل له نفسه سلب حقوق المواطن".

والمحكمة الإدارية تشكلت وفق قرار المجلس التشريعي في جلسته المنعقدة بتاريخ 2مارس عام 2016، وتخضع لإشراف المجلس الأعلى للقضاء، حيث تُــؤلف المحكمة من عدد من القضاة ينتدبهم المجلس الأعلى للقضاء من قضاة محاكم الاستئناف في القضاء النظامي، وتنعقد المحكمة من هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة وتكون الرئاسة لأقدمهم للنظر في المنازعات الإدارية المبينة في المادة (3) من هذا القانون وطلبات التعويض المتعلقة بها.

وتختص المحكمة الإدارية بالنظر بالقضايا، الطعون الانتخابية التي تجري وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها ما لم يرد نص في قانون آخر على إعطاء هذا الاختصاص لمحكمة أخرى، الاستدعاءات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء اللوائح أو الأنظمة أو القرارات الإدارية النهائية الماسة بالأشخاص أو الأموال الصادرة عن أشخاص القانون العام بما في ذلك النقابات.

مصدر خاص: المحاسبة لا تتم إلا بعد تقديم شكوى ولا يوجد متابعة من النقابة للمحامي

وكذلك الاستدعاءات التي هي من نوع المعارضة في الحبس التي يطلب فيها اصدار أوامر الإفراج عن الأشخاص الموقوفين بوجه غير مشروع، والمنازعات المتعلقة بالوظائف العمومية من حيث التعيين أو الترقية أو العلاوات أو المرتبات أو النقل أو الإحالة إلى المعاش أو التأديب أو الاستيداع أو الفصل، وسائر ما يتعلق بالأعمال الوظيفية، ورفض الجهة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ أي قرار كان يجب اتخاذه وفقاً لأحكام القوانين أو الأنظمة المعمول بها.

النقابة هي الجهة المسؤولة

وخلال طرق معد التحقيق باب القضاء الأعلى، التقى ياسر نصار مدير المكتب الفني في مجلس الأعلى للقضاء، حيث قال إن نقابة المحامين "الجهة المسؤولة عنهم، واختصاصها تشكيل لجان لمحاسبتهم وفق القانون".

وأضاف نصار: "لا توجد حلقة وصل مباشرة بين الشكاوى المقدّمة من المواطنين ضد بعض المحامين لمتابعتها في القضاء الأعلى".

وردّا على نقابة المحامين التي بأن "القضاء الأعلى يؤجل النظر في قضايا بعض المحامين"، أشار نصار إلى أن القضاء لا يتعارض مع قرارات النقابة، وأن للمحامي الحق في اللجوء للقضاء وفق القانون الفلسطيني بالتظلم للمحكمة الإدارية في غزة.

وأكد على أن القضاء الإداري لا يأخذ وقتًا طويلًا في النظر بالقضايا المقدمة للمحكمة الإدارية ضد بعض المحامين المتجاوزين، مبينًا أن "المدة لا تتجاوز الـستة شهور".

محاسبة بعد شكوى

وخلال بحث معد التحقيق في هذا الملف، حصل على معلومات من محامٍ -تحفّظ على ذكر اسمه-قال فيها: "إن نقابة المحامين في غزة تهمل متابعة المحامين أثناء عملهم ومرافعاتهم".

وأوضح أن محاسبة النقابة للمحامين لا تتم إلا بعد أن يقدم أحد المواطنين شكوى ضد أحدهم، ويدفع مبلغ قدرة 100 دينار أردني، غير مسترد في أغلب الحالات.

وأشار إلى أن هناك تجاوزات من النقابة في اتخاذها إجراءات قانونية بحق بعض المحامين المتورطين في قضايا تزوير ونصب، ورأى أن إجراءات النقابة لا تكون رادعة بشكل كبير للمحامي المخالف للقانون.

وأكد المحامي على أن هناك عددًا كبيرًا من المحامين تورطوا بقضايا تزوير وقضايا أخرى "ولا يزالون على رأس عملهم حتى اللحظة".

حيث ينص قانون رقم (3) لسنة 1999م بشأن تنظيم مهنة المحاماة، الفصل الثاني، المادة "2" بأن مهنة المحاماة حرة تعاون السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وتأكيد سيادة القانون، وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.

وينص القانون على "أن يكون المحامي محمود السيرة والسمعة، وغير محكوم عليه من محكمة فلسطينية مختصة في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة".

وحصلت "الرسالة نت" خلال بحثها في هذا الملف على قضية أخرى للمحامي "أ، ع" ويبلغ من العمر 40 عامًا، حيث أوقف عام 2011 على قضية حيازة أكثر 1110 "حبة أترمال مخدر"، وخرج بكفالة مالية قدرها 1500 دينار.

القضاء: النقابة هي الجهة المسؤولة عن المحامين، واختصاصها تشكيل لجان لمحاسبته

وأوضح المصدر -الذي فضل عدم الكشف عن اسمه-أن المحامي بعد هذه القضية لا يزال يمارس المهنة، ويترافع في المحاكم، على الرغم من القضية التي وجهت له من النيابة.

وأكد أنه خلال الشهر الماضي، أوقفت النيابة العامة في غزة، المحامي نفسه، وذلك بعد تقديم أحد المواطنين شكوى ضده شكوى، بأنه أقدم على تزوير أوراق لقطعة أرض، مشيرًا إلى أن النقابة لم تتخذ بحق هذا المحامي أي عقوبات، في الوقت الذي لا يزال يمارس عمله.

 إيقاف محامين

وخلال عرض معد التحقيق إحدى القضايا على نائب نقيب المحامين "عبد العزيز الغلاييني"، مفادها بأن أحد المحامين من المنطقة الوسطى موقوف على قضية ما، حيث يمارس عمله أمام النيابة العامة على الرغم من أنه لديه قضيته لا تزال في النيابة العامة،"، أقرّ بهذه القضية، قائلاً "نحن في النقابة ضد أي تجاوز للمحامين في غزة".

وأضاف الغلاييني: "ما يسيء لمهمة المحاماة أحيانًا أن هناك محامين موقوفون في قضايا جزائية داخل قفص الاتهام، وبعدها يخرج ليترافع عن قضية أخرى".

وأشار إلى أن العقوبات الصادرة عن المجلس، نصّ عليها النظام الداخلي للنقابة، الصادر بمقتضى المادة (42) "4/أ" من قانون المحامين النظاميين رقم 3 لسنة 1999، بشأن تنظيم مهنة المحاماة، والمادة "3" من القانون رقم (5) لسنة 1999.

وأضاف: "بعد نظر المجلس التأديبي في الملفات، يُصدر القرارات اللازمة بحق كل منهم، ومن ثم يرفعها لمجلس النقابة شارحًا فيها إن كان المحامي الموصي باتخاذ عقوبة بحقه قد كرر جرمه أم أن وقوعه في الخطأ كان صدفة".

من وتابع: "العقوبات التي تتخذ تراوح ما بين عقوبات جزئية وأخرى كلية"، مشيراً إلى أن العقوبة الجزئية تراوحت بين إيقاف عن العمل لمدة عام إلى 5 أعوام، في حين أن الكلية هي الفصل النهائي.

محامي: إجراءات النقابة ضد بعض المحامين المخالفين للقانون غير  رادع

وذكر أن هناك محامين اتخذت بحقهم عقوبات، لجؤوا بعدها إلى المحكمة للتظلم، فمنهم من ثبّتت المحكمة العقوبة لهم، ومنهم من ألغت عنهم العقوبة، مؤكدًا على أن مهنة المحاماة هي مهنة حرة، تُعاون السلطة القضائية في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.

إجراءات غير رادعة

وخلال لقاء معد التحقيق مع المحامي فؤاد عبد العال، قال: "إن إجراءات النقابة ضد المحامين المخالفين للقانون غير رادعة، كون أنهم يزاولون المهنة بعد صدور الأحكام ضدهم من النقابة".

وأوضح عبد العال في حديث لـ"الرسالة نت"، أن النقابة تتحمل جزءًا من المسؤولية بأن تتابع قضايا بعض المحامين الذي يتهمون بقضايا جزائية، وأن تكمل متابعة هذا الملف في المحكمة".

ودعا النيابة العامة في غزة إلى تبني قضايا المحامين في غزة، من خلال متابعة إجراءاتهم، والبت في القضايا والمخالفات التي يرتكبها بعض المحامين في القطاع.

وشدد على أن المطلوب من النقابة، اتخاد إجراءات عقابية رادعة تتمثل في الفصل ضد المخالفين للقانون، حتى تكون عِبرة لزملائه الذين يحاولون التلاعب في القانون؛ "لكسب المال".

وقال عبد العال:" إن الأجدر على النقابة أن تفعّل لجانًا لمتابعة عمل المحامين، وكذلك التنسيق مع القضايا والنيابة للكشف عن أي مخالفات يرتكبها".

واستنتاجًا مما سبق، فإن حجم الضرر الذي يهدد المواطن في غزة بسبب قضايا التزوير والمخالفات التي يرتكبها بعض المحامين، من غياب الرقابة من نقابة المحامين، يحتم المبادرة بتشكيل لجنة من الجهات المختصة تكون مهمتها متابعة المحامين المزاولين للمهنة أثناء عملهم، إضافة إلى تفعيل القانون الخاصة بمزاولة المهنة، وتشديد العقوبات على بعض المحامين المخالفين لهذا القانون.

وكذلك يحتم على الجهات المختصة تشكيل لجان مشتركة من المجلس الأعلى للقضاء، ونقابة المحامين، بمشاركة النيابة العامة للاطلاع على مخالفات بعض المحامين، ما يسهل سرعة النظر في المخالفات والشكاوى ضد بعض المحامين.

البث المباشر